بَلِ الرَّسُولُ أيَا شِعْرِي لَهُ أدَبِي فَاقْرِضْ قَرِيضَكَ فِي المُخْتَارِ ‏وَانْتَخِبِ
وَثَمِّنِ الحَرْفَ فِي مِحْرَابِ سِيرَتِهِ وَلا تَخُطَّ سِوَى المَنْقُوشِ ‏بِالذَّهَبِ
وَطَهِّرِ الثَّغْرَ بِالتَّعْوِيذِ مُسْتَبِقًا وَابْدَأْ بِقَوْلِكَ بِاسْمِ اللهِ وَاحْتَسِبِ
سَلِّمْ عَلَيْهِ وَرَدِّدْ دَعْوَةً فُرِضَتْ بِأنْ يُصَلِّي عَلِيْهِ اللهُ فِي الحُجُبِ
وَارْجِعْ لِغَارِ حِرَاْءٍ فِي ذُرَى جَبَلٍ جِوَارِ مَكَّةَ وَاعْجَبْ أيَّمَا عَجَبِ
يَخَافُ وَحْشَتَهُ فِي الصُّبْحِ قَسْوَرَةٌ وَفِي الظَّلَامِ يُصِيِبُ الأُسْدَ ‏بِالرُعُبِ
فَكَيْفَ بِاللهِ يَشْتَاقُ الأمِيِنُ لَهُ يُقِيمُ فَرْدًا لِشَهْرٍ غَيْرَ مُضْطَرِبِ‏
أكَانَ ذَلِكَ أمْرًا مِنْ لَدُنْ صَمَدٍ أوْحَاهُ لِلمُصْطَفَى يَقْوَى عَلَى ‏السَّبَبِ
فَأىُّ قَلْبٍ جَسُورٍ كَانَ يَحْمِلُهُ بَيْنَ الجَوَانِحِ أوْ بَأْسٍ لِمُطَّلِبِ‏
وَأىُّ هَوْلٍ يَخَالُ المَرْءُ مَشْهَدَهُ مَتَى يُشَاهِدْهُ ذَاكَ القَلْبُ يَرْتَعِبِ
لا شَكَّ أمْرٌ عَظِيِمٌ لا نَظِيِرَ لَهُ وَوَاقِعٌ رَأىَ عَيْنٍ دُونَمَا رِيَبِ
فَاسْتَحْضِرِ الليْلَةَ الكُبْرَى لِتَشْهَدَهُ وَانْظُرْ شَدِيِدَ القُوَى يَدْنُو مِنَ ‏السُّحُبِ
يَحِلُّ فِي الغَارِ وَالمَحْمُودُ مُعْتِكِفٌ وَالليْلُ يَسْجِي بِدَاجِيهِ عَلَى ‏الشُّعَبِ
وَلَيْسَ يُسْمَعُ غَيْرُ الصَّمْتِ مُطْبَقِهِ وَلَيْسَ شَيْئًا يَرَاهُ المَرْءُ عَنْ ‏كَثَبِ
‏(اقْرَأْ) تُدَوِّي فَتُرْدِي الصَّمْتَ تَصْرَعُهُ يَا هَوْلَ لَحْظَةِ تَكْلِيفٍ ‏لِمُحْتَجِبِ
يَا لَهْفَ قَلْبِي عَلَى المَبْعُوثِ مُرْتَجِفًا وَالرُّوُحُ يُجْهِدُهُ بِالضَّمِّ ‏وَالطَّلَبِ
يَرْتَجُّ مِنْ فَزَعٍ مَا كَانَ أفْزَعَهُ وَلَيْسَ مِنْ مَنْفَذٍ فِي الغَارِ لِلْهَرَبِ
يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ مِنْ رَوْعِ حَادِثَةٍ إْنْ شَابَ مِنْ هَوْلِهَا الضِّرْغَامُ ‏لَمْ أَعَبِ ‏
كَيْفَ اسْتَقَامَ لَه رَدٌّ لِيَنْطِقَهُ فِي مَوْقِفٍ يَسْلُبُ الألبَابَ بِالرَّهَبِ
أجَابَ بِالنَّفْيِ تِلْوَ النَّفَيِ رَدَّدَ (مَا أنَا بِقَارِئِ) صِدْقًا لَيْس بِالكَذِبِ
فَكَيْفَ يَقْرَأُ أُمِّيُّ بِلا قَلَمٍ وَكَيْفَ يَقْرَأُ رَسْمَ الحَرْفِ فِي الكُتِبِ‏
سُبْحَانَ رَبِّي فَقَدْ شَاءَتْ مَشِيئَتُهُ أنْ يُنْزِلَ الذِّكْرَ يُوحِيهِ لِمُنْتَخَبِ
وَكَمْ مَعَانٍ إذَا أبْصَرْتَ تُبْصِرُهَا مُضِيئَةٌ فِي سَمَاءِ الفَهْمِ ‏كَالشُّهِبِ
إقْرَأ بِقَلْبِكَ يَا أُمِّيُّ مُحْكَمَهُ فَلِيْسَ ذَاكَ كِتَابًا كَانَ لِلْعَرَبِ
لَكِنَّهُ مُنْزَلٌ لِلنَّاسِ كُلِّهِمِ مَهْمَا اللِسَانُ وَمَهْمَا كَانَ مِنْ نَسَبِ
وَفِيهِ نَهْجٌ وَتَوْحِيِدٌ لِذِي كَرَمٍ وَمِنْهُ فِقْهٌ وَأحْكَامٌ لِمُنْتَسِبِ‏
لَهُ بِنَاءٌ عَلَى خَمْسٍ تُثَبِّتُهُ إنْ تَقْوَ يَقْوَ وإنْ لَمْ تَقْوَ يَغْتَرِبِ‏
وَالخَمْسُ أوَّلُهَا (لَا) فَهْىَ تُفْرِدُهُ بِلا شَرِيكٍ لَهُ مَا كَانَ فِي ‏النُّصُبِ
فَأوَّلُ الدِّينِ نَفْيٌ فِيهِ مَعْرِفَةٌ بِمَا نَفَيْتَ وَتَسْتَثْنِيهِ فَلْتُجِبِ
يُدْرِيكِ قُرآنُهُ عَنْ كُلِّ مَا زَعَمُوا وَكُلِّ شِرْكٍ بِهِ فِي سَالِفِ ‏الحِقَبِ
فِالعِلْمُ فَرْضٌ عَلَيْنَا وَهْوَ مَدْرَجُنَا إلَى اليَقِينِ وَلَيْسَ الدِّينُ بِاللَّقَبِ
إنَّ الشَّهَادَةَ بَابٌ لَيْسَ يَطْرِقُهُ إلا المُخَيَّرُ بَينَ القَصْرِ والخَرِبِ ‏
فَتِلْكَ قَاعِدَةٌ مِنْ حَوْلِهَا أُسُسٌ يُبْنَى عَلَيْهَا بِنَاءُ الدِّينِ بِالنُّجُبِ‏
تُعْلِي طَوَابِقُهُ صَرْحاً لِمُجْتَمَعٍ يَقُيمُ دُنْيَا بِهِا الإيمَانُ كَالعَصَبِ
فَيُعْبَدُ اللهَ فِي قَولٍ وَفِي عَمَلٍ لَوْ يُجْدِبُ الفِعْلُ لا قَوْلٌ لِذي ‏جَدَبِ
حَضَارَةٌ تَبْتَغِي وَجْهًا لِخَالِقِهَا تُطِيِعُ أحْكَامَهُ طَوْعًا وَبِالرَّحَبِ
وَأقَسَطُ العَدْلِ إعْلاءٌ لِمَنْهَجِهِ بِالعِلْمِ وَالفَهْمِ وَالإقْدَامِ والغَلَبِ
للهِ آيَاتُهُ فِي الخَلْقِ مَاثِلَةً فَالآيُ فِي خَلْقِهِ ذِكْرٌ لِمُجْتَلِبِ ‏
فَاقْرَأْ بِقَلْبِكَ ذِكْرًا بِتَّ تُبْصِرُهُ وَانْبِضْ لِعَقْلِكَ بِالإيمَانِ وَاقْتَرِبِ
وَاحْيِ النَّبِيَّ بِأنْ تَحْيَا بِسُنَّتِهِ وَاتْبَعْ صَوَابًا بِهَا إنْ تَتَّبِعْ تُصِبِ
وَاعْلَمْ جِهَادًا لَهُ مَا كَانَ أجْهَدُهُ وَكَيْفَ أبْلَغَ بالإجْهَادِ والتَّعَبِ
فَصَرْحُ مَنْهَجِنَا بِالعَزْمِ نَرْفَعُهُ وَلَيْسَ بِالضَّعْفِ أوْ بِالْلَهِوِ والْلَعِبِ
وَلَيسَ عَزْمًا سَقِيمَ العُسْرِ نَفْرِضُهُ وَلَيْسَ ضَعْفًا سَدِيدَ اليُسْرِ إنْ ‏نَثُبِ
فَذاكَ دِينٌ بِهِ الإحْسَاسُ أرْهَفُهُ خَوْفًا مِنَ النَّار أوْ قَطَفًا مِنَ ‏العِنَبِ
مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تَبْكِي العَيْنُ وَاجِفَةً اكْرِمْ بِمَنْ ذَرَفَتْ وَانْعِمْ ‏بِمُنْتَحِبِ
وَهَلْ لَنَا أُسْوَةٌ كَالرَّوْضِ مُزْهِرَةً سِوَى الرَّسُولِ رِيَاضٌ بِالثَرَى ‏خَصِبِ
يَعْدُوُ مِنَ الغَارِ مَشْدُوهًا وَمُرْتَعِدًا إلَى خَدِيجَةَ يَرْجُو الأمنَ فِي ‏القُرَبِ
فَزَمَّلَتْهُ بِقَلْبٍ بَاتَ يُدْفِئُهُ سُبْحَانَ وَاهِبِهِ العَلاَّمِ بِالغِيَبِ
وِتَبْدَأُ الدَّعْوَةُ الغَرَّاْءُ يَدْعَمُهَا خَوْفٌ فحُبُّ فَإيِمَانٌ لَدَى النُّخَبِ‏
وَيَخْرُجُ الدَّينُ مِنْ سِرٍّ إلَى عَلَنٍ يَخُوُضُ حَرْبًا وَحَتَّى الآنَ مِنْ ‏لَهَبِ
يَرَدُّ هُودًا وصُلْبَانًا ومَنْ مَعَهُمْ وَمُشْرِكِينَ وَأنْجَاسًا بِمُنْتَشِبِ‏
لَكِنَّهُ الحَّقُّ لَمْ يَمْحَقْهُ بَاطِلُهُمْ فَهُمْ جَمِيعًا كَمَا حَمَّالَةِ الحَطَبِ‏
واللهُ أكْبَرُ أضْحَتْ فِي دِيَارِهِمِ لَهَا المَسَاجِدُ رَغْمَ الحَرْبِ والنُّوَبِ
فَكَمْ حَمَلْتَ رَسُولَ اللهِ مِنْ ألَمٍ وَأنْتَ تَدْعُو إلَى الإسْلامِ فِي دَأَبِ
أبْلَغْتَ دِينًا قَوِيمًا بَاتَ مُنْتِشِرًا فِي سَائرِ الأرْضِ لَمْ يَخْلِطْ وَلَمْ ‏يَذُبِ
مَازَالَ فِينَا صَحِيِحُ الدِّيِنِ نَحْفَظُهُ وإنْ شَرَدْنَا قَلِيلًا عَنْهُ بِالْحِزَبِ
نَعُوُدُ يَوْمًا إلَى الرَّحْمَنِ نُشْهِدُهُ فاشْفَعْ لَنَا عِنْدَهُ وانْظُرْ بِلا عَتَبِ
أنْتَ الرَّسُولُ إلَى الأحْيَاءِ كُلِّهُمِ أنْتَ الشَّفِيعُ لِمَنْ مَاتُوا بِمِنْقَلَبِ
هَذَا قَصِيِدِي رَسُولَ اللهِ أبْذُلُهُ فَإنْ رَضِيتَ فَقَدْ أسْمُو إلَى الرُّتَبِ‏
إلا فَتَصْفَحُ بِالأخْلاقِ أعْظَمُهَا إلا فَتَسْألُ غُفْرَانًا لِمُرْتَكِبِ
صَلَّى عَلَيْكَ مَلِيكُ العَرِشِ أحْمَدُهُ عَلَى مُحَمَّدِ وَالإسْلامِ وَالنَّسَبِ