في مكانٍ آخر من العالم ..
حيث يشفق القلب أن يقع في قبضة قلب ..
التقت العَينان ..
ولم يزل _ منذ ذلك الحين _ عن عينيها يتوارى ..

***

لِمَ لمْ يأتِ قبل الآن .. ؟
وأين كان .. !
ولماذا يظهر في وقتٍ هو أضيق من صدور الحسّاد .. ؟


لعله لا يعلم أن للحب أبجدية لا تكتمل إلا مع زمنٍ متمدد..
ولعله يجهل أنّ انشغال الذهن بالصورة المشوّشة تلك لاينقصه اختفاءٌ مفاجِيء ..

كان حباً طارئاً ..
حبًّا مناسباً لاحتياجها في موسم جفاف ..
لذا رضيَت به ، وتعلقت بلقياه ..
حتى ماعاد يفصلها عنه سوى انبلاج النور .. !

***

جهدٌ قليل تبذله من أجل الحفاظ على خفقاته تجاه موقعها ..
وجهد جهيد تغتصبه من حناياها لئلا تتمادى
كانت تفكر في عاقبة اندفاعها ..
وتعلم أنّ الرجل لا يتعلق إلا بامرأة تبادله ..
فما تفعل بهذا القلب إن علق بشباكها ؟


سيغدو بائساً، يابساً .. محترقاً كل حين .. !

***

قويٌّ ، مهيبٌ ، عالي الصوت ، جميل النبرة
رجوليُّ الملامح والقسمات ، متزن التصرفات
طويلٌ ، متناسقُ القوام ، خفيف ظلٍّ وروح ..

إلى أين تهرب من هذا كله !
***

بحاجةِ إلى حنان واحتواء يستجديها بنظرة ..
فتصرُّ على التجاهل ..
_ كلا ,, مارأيتُ ولا سمعت !
وبانكسار يتحرك ذلك الجبل بعيداً عنها ..
ماجدوى أحاديث الأعين إن لم يترجمها اللسان ؟!

***

وماحاجة قلبها البـِكر إلى قلبه الذي رشف من رحيق الحياة ماشاء ، ولم يزل يفعل ؟
شعورٌ أعمى هو الحب ..
أعمى وأصمّ ..
وأخرق أيضاً .. !

***

يبتسم لها ،
يبحث عنها بجنونٍ يحاول اخفاءه ، فيظهر رغما ..
تشعر أن في ابتسامته أعماقاً عطشى إلى حنانها ..
إلى دفئها ، وقربها ..
وتحار كيف تهبه مما تملك
فإن بينهما حاجزٌ لا تفيد معه الحيل ولا افتعال المصادفات
***
حاجزٌ من مسافة زمنية،
وامرأة سبقتها إلى روضه ،
وثلاثة أطفال لا ينقصهم فقده

فهل هي أنانيةٌ إلى هذا الحد
حتى تستأثر به وقد أتى في الوقت الخطأ ؟!
***
ولكن ماذنبه في أن تقسو عليه ، وتوليه ظهرها ..
وهو لايطلب إلا أن لا تغيب عن عينيه؟
وهل يقتصر الحب على الخالين وحدهم؟
***

مرّت الساعة والليل دنا
والهوى الصامت يغدو ويروح ..

_ الو؟
_ السلام عليكم ..
بصوته الذي يهزها.

_ وعليكَ السلام ..

ثانية صمت .. ثم يزدرد لعابه ..
_ ابنتي لديكم؟
يقولها بصعوبة ..
يصعب عليه أن يتباهى أمامها بما قد ينفرها منه

_ نعم .. هي إلى جواري

_ أخبريها أني بالخارج في انتظارها ..

يغلق الخط ، ورنين صوته في أذنيها ..
أجل .. رنين الرجاء .. رنين استجداء التغاضي ..

رنين كلمةٍ لاتعرف الفوارق، ولا تعترف بالحواجز ..

***

تتسارع الأيام ، ويقترب أوان افتراقهما ..
وعلى وجهه آثار شحوب ، وفي عينيه موجة بكاء، ورجاء ..
ولم يزل يحترف الحديث الصامت الذي تديره الأعين ..

( إن الحروف تموت حينَ تقالُ)!

***

ما أتعس البشر !
لو يعلمون أن القلوب التي يبحثون عنها ستصادفهم يوماً ، لَمَا استعجلوا في بدء البناء ..
ولكنهم يستسلمون لليأس ، ويشرعون في صناعة حياتهم مع أول قلبٍ يجدونه ..
لايصمدون حتى يفوزوا بأحلامهم ..

وخُلِق الإنسان عَجولاً !

***

على مقعد الطائرة ، تحاول أن تمزق صفحة وجهه من ذاكرتها
فمنذ متى نقتات على الأحلام !
تطالع الأفق ، فتجده قد أخذ في الإختفاء ،،
يمحو بابتعاده أيام اقترابه

ولم يزل بَعدُ يتوارى ..





عهود حجازي