1. سالت دموعي و اقشعرّ جناني
إذ راودتْني في الكرى أشجاني
2. و سكَبْتُ مثل الطفل عَبرةَ واجفٍ
في مقلتيه من العذاب معانِ
3. يبكي و يذرفُ في الدموع حكايةً
و القلبُ يُبدي شدّة الخفقانِ
4. و الليلُ يرقبني بطرفِ ذهولهِ
متعجّباً من معْشر الإنسانِ
5. يا ليلُ مهلكَ هل سمعتَ عن الجوى
يا ليلُ هذاكَ الذي أبكاني
6. رَحَلتْ و ألفَتْ في الفؤاد صبابةً
فغدوتُ أترعُها بكأسٍ قان
7. راحٍ تكمّنَ في خفايا لحظها
يسري بحشوِ الخافق الولهانِ
8. قد ذقتُها قبلاً, و أسكرَني النوى
و اليوم تسكرُني ببيْنٍ ثانِ
9. ويْ من جفاها حينَ تخفي وجدَها
و تُبينُ وجهَ الكِبْرِ و العصيانٍ
10. يا من سلبتِ القلب حسبكِ لم أكنْ
ممّن يرومُ هوى الغرامِ الفاني
11. كُفّي بربّك عن مُصارعةِ الهُيا
مِ و قتل نفسِ الحبّ و الوجدانِ
12. إنّي لأعلمُ أنّ ثغركِ كاذِبٌ
و بأنّ شقّي فيكِ يصْطنعانِ
13. الحبّ بادٍ, أن كتمتِ حديثهُ
سيضجّ نبضُ القلب بالإعلانِ
14. و الشوقُ بادٍ, قد كتمتِ ظهورهُ
لكنّما عيناكِ باكيتانِ
15. أوهلْ نسيتِ العهدَ ويحكِ بيننا
عهدَ الوصالِ و نحنُ منفصلانِ
16. يا ربّةَ العينين و الجفنينِ والر
مشينِ و القلبِ الصغير الجاني
17. حوّاءُ ما كانتْ قبيلكِ تقتلُ ال
أكبادَ من لحظِ الغوى الفتّانِ
18. لحظٌ و ربّي ما رأيتُ نظيرهُ
معْ خِلّهِ ,والله مُعْجزتانِ
19. و الثغرُ موطنُ كيدهنّ و موطني
و إليهِ منتسبٌ و فيه مكاني
20. لمياءُ يمشي السحرُ فوق شفاهِها
متبختراً و مُفاخرَ الأقرانِ
21. سألتْ و كان الشوقُ في لمحاتها
و عيونُها للردّ ناظرتانِ
22. هل تعشقنّ فقلتُ أقسمُ قد عشقـ
تُكِ دونَ عشقٍ أو غرامٍ ثانِ
23. فَهَمَتْ مدامعُها على وجناتها
و ترقرقتْ في رقةٍ و حنانِ
24. قالتْ فديتُك,هل بكيتَ من الجوى
فاسمعْ لقد أبكاكَ ما أبكاني
25. فلقد رماني الصبُّ أعدلَ سِهمِهِ
قَصَمَ الفؤادَ فشلّني, أوداني
26. قلتُ ارعوي هل أستحقُّ لآلئاً
مِن مقلتيكِ و هنّ دامعتانِ؟
27. فضممتُها و القلبُ يُرعِدُ راجفاً
و فؤادُها قد ردّ بالخفقانِ
28. و بريئةٍ مرّت عليّ كأنّما
مرّ النسيمُ الرطبُ بالأغصانِ
29. ترثي حبيباً ما بكى لجمالها
و عيونُها بالصبّ طافحتانِ
30. و الحبّ تعجزُ ردَّهُ عن نفسها
و تُسرُّ بالإعلانِ, بالكتمانِ
31. قصّتْ عليّ من الغرامِ قصيدةً
أبياتها قِطَعٌ من الأحزانِ
32. هاكِ الهوى في متنِ نَصّ قصائدي
وجداً تطايرَ من لظى نيراني
33. الحبّ يا بنت الأكارمِ مهنتي
فنّ النوى أو حِرفةُ النسيانِ
34. أتقنتُ ألوانَ الصبابةِ و الجوى
و سلي الحبيبةَ ,جرّبتْ ألواني
35. مُذ هفهفتْ برموشها و تمايَسَتْ
و تبسّم الثغرُ الرقيقُ الحاني
36. رقَصَ القريضُ على جدائلِ رمشها ال
مكحولِ رقصَ المدنفِ السّكرانِ
37. بضعٌ سنيناً دونها و كأنّني
مرّ الزمانُ عليّ تلوَ الثاني
38. و نظرتُها بعدَ انتظاري صعّرتْ
خدّ الحنانِ و موْضعَ الإحسانِ
39. جادتْ عليّ من الجفاءِ عطيّةً
فإذا بعينَيْ خافقي تكِفانِ
40. إنّي لأقسمُ ما سلوتُ جنانها
فلأيّ ذنبٍ صدّني و سلاني؟
41. كلفٌ و كنتُ من الرجال الشامخيـ
ـنَ و كنتُ طوداً ثابتَ الأركانِ
42. كلفٌ و كنتُ المشمخرّ و لم أزلْ
جبلاً أشمّاً باسقَ البنيانِ
43. فالشعرُ شعري و القريضُ قصائدي
و الحرفُ ملكي و الزمانُ زماني
44. أنا لستُ أُلحنُ في الحروفِ أيا ابنها
بلْ أنتَ أطرشُ, فارغُ الأذهانِ
45. يا من تعفّنَ رأيُهُ بصميمهِ
و نما فأنبَتَ علّةَ الغثيانِ
46. هلّا نَظَرتَ إلى نُفيسِكَ بُرهةً
لترى بوجهكَ قالبَ الشيْطانِ
47. فاصمِتْ بربّك و انتبهْ لمضاضتي
و احذرْ مُقارعتي و سَخطَ لساني
48. أناْ إن سكتُّ فإنّ صمتي مُرهبٌ
و لئنْ غضبتُ أثورُ كالبركانِ
49. فلقدْ جهلتَ مكانتي فرَميْتَني
و جهلتَ حرفي و احتَقَرتَ بياني
50. عندي الجوابُ و إنّ شِعري صارمٌ
قردٌ رمى أسَداً وذاكَ رماني
51. قد سوّلَتْ لكَ نفسُ شيطانٍ لدو
دٍ بالغوى,بالفسق بالهَذَيانِ
52. لوّثتَ نصّ خريدتي و خريدتي
كانتْ بقمَّتِها و كنتَ الداني
53. أنا إنْ قطعتُ من البلاغةِ مقطعاً
أضحى أنيقاً ناصعَ الألوانِ
54. فلقدْ ملكتُ الشعرَ دونَ مُنازِلٍ
و علوتُ صقراً في فضا العقبانِ
55. و ملكتُ حرفَ الضادِ بتُّ أميرَهُ
و أميرَ جُلِّ الشيبِ و الشبّانِ
56. حتّى إذا سمِعَ الفرزدَقُ منطقي
لهوى و قالَ أيا ربيعُ كفاني
57. ولأنطقَ الصلدَ الأصمّ قصائدي
و لصاحَ حسْبُكَ يا عظيمَ الشانِ
58. أسمعتُ كلَّ الكائناتِ مشاعري
فبّكّيْنَ من إنسٍ و جنسِ الجانِ
59. إلاّ خليلة مهجتي لم تبكِنِي
فبَكَيْتُ مَنْهَجَها العصيًّ الجاني
60. فالظعنُ ينخرُ في الفؤاد صبابةً
و القلبُ في زردِ الصبابةِ عانِ
61. يا طائر الفينيق خبّرْ عن جنو
نِ العاشقينَ و أنتَ يا كرَواني
62. قيسٌ مليكُ الحبّ ولّى عهدُهُ
و اتى ربيعُ بعهدِ حُبٍّ ثانِ
63. العيدُ جاءَ و لم تنلني بسمةٌ
أقضي بها "عيديّةَ" الهيمانِ
64. و الخلقُ لمّا يفرحوا مثلي أنا
و تهيّأوا للعيدِ بالأكفانِ
65. العيدُ حلّ على الأنامِ كأنّهُ
فيضٌ من الادواءِ و الأشجانِ
66. العيدُ أقبلَ ينزفُ العبراتِ فو
قَ خدودِ دينِ اللهِ والإيمانِ
67. هذي بلادُ العُرْبِ أضحَتْ مرتعَاً
للّهوِ و الإفسادِ و الطغيانِ
68. هذي سفينةُ عزّنا و فخارنا
لكنّها غرِقَتْ بلا رُبّانِ
69. ديسَتْ لنا دونَ النّعالِ مناقبٌ
و الذلّ قابلناهُ بالإدمانِ
70. هالَ الزمان على البلادِ نوازلاً
في القدسِ في يافا و في الجولانِ
71. في كلّ ثغرٍ من ديارِ الله جا
ستْ ثُلّةُ الأوغادِ و الصُّلبانِ
72. فانظرْ إلى لبنانَ, أبصِرْ عيدَها
و العيدُ نفس العيدِ في السودانِ
73. عيدٌ مضى, بغدادُ أُطفأ نورُها
جَبَلٌ هوى, و انهدّ شُمْخُ رِعانِ
74. صدّامُ يا سيْفَ الكُماةِ مُذرَّباً
ما اسطاعَ-أقسمُ-أن يصيبكَ كانِ
75. كفكفْ دموعكَ يا ابن دجلةَ و الفرا
تِ و يا ابنَ درّ البحرِ و المرجانِ
76. فلئنْ رحلْتَ فإنّ نجمكَ بازغٌ
يسنو كمثلِ شقائقِ النُعمانِ
77. تاللهِ لم ترهبْ خميساً أحمراً
أو شابَ قلبَكَ منه خوفُ جبانِ
78. تالله ما رَجَفَتْ جنابُكَ خيفةً
فافخر بنفسكَ من بني الإنسانِ
79. و اضربْ بنعلِكَ من وراءكَ إنّهم
قبلوا حياةَ الذلّ و الإذعانِ
80. و انظرْ إلى حُلَلِ الملوك من القصو
رِ و من لَبوسِ الماسِ و التيجانِ
81. و انظرْ إلى فكر الملوكِ تجدْ بهِ
أحلامَ عهرٍ أو مجونَ غوانِ
82. و البسْ لثاماً بالسوادِ مطرّزاً
و أقِمْ عزاءَ القدسِ و الشيشانِ
83. و لقدْ أرومُ هجاءَ من لا يستحي
لكنّ قدْري-و العزيزِ-نهاني
84. فانفضْ يديكَ من الكلابِ و عدْ إلى
ربّ الملوكِ و حاكمِ الأكوانِ
85. فالله ينصرُ جُنْدة بجنودهِ
بالدّينِ بالإسلامِ بالقرآنِ
86. يا ربّنا إنّي ببابكَ واقفٌ
عيناي من فرطِ الأسى تكِفانِ
87. يا غافرَ الزلّاتِ و الهفَواتِ و الذ
نبِ العتيقِ و قابلَ النّدمانِ
88. وقَفَتْ دموعي ترتجيكَ بمحجري
فضلَ الهدى و عطيّةَ الغُفرانِ
89. ربّاهُ إنّي قد دعوتُكَ راجياً
عفوَ الكريمِ و رحمةَ الرحمانِ
90. ربّاهُ فانزعْ من ضلوعي علّةَ الـ
إكبارِ و الخيلاءِ و العصيانِ
91. ربّاهُ مالي قد ضَلَلتُ صراطنا
و نسيتُ عهدَ محمّد العدنانِ
92. صُدِعَ الفؤاد من الذنوبِ القاتلا
تِ الفاتكاتِ بفطرةِ الإنسانِ
93. إنّي رأيتُ الدهرَ ينْفَدُ مُهطِعاً
و رأيتُ ساعاتِ الدُّنا بثوانِ
94. و رأيتُ كيفَ الرومُ كانتْ درّةَ الـ
دولاتِ و الأقطارِ و البلدانِ
95. و رأيتُ كيفَ اللهُ يُمهلُ ثمّ يبْـ
طشُ بالطّغامِ و دونما استئذانِ
96. فلأهلِ عادٍ عبرةٌ لذوي الحِجى
و لقوْمِ لوطٍ حكمةُ و معانِ
97. و لقومِ نوحٍ و ابنِ يعقوبَ الصغيـ
رِ دنا لهُ القمرانِ يعتكفانٍ
98. إنّي رأيتُ من الزمانِ طبائعاً
تُذكي و تشعلُ شيبةَ الصّبيانِ
99. و لقدْ رأيتُ الفردَ أبغَضَ عملةٍ
وجهٌ هنا,و هناكَ وجهٌ ثانِ
100. متقلّبٌ بين الرجالِ بمَيْنِهِ
مثل الرغيفِ بملعبِ الفرّانِ
101. إنّي رأيتُ الدينَ أقوَمَ عِصمةٍ
من نزغِ شيْطانٍ و قُبحِ لسانِ
102. و رأيتُ نفسَ العالمين حسودةً
و بها سمومُ المكرِ كالثعبانِ
103. و رأيتُها أمّارةً بالسوء كالذ
ئبِ الوليدِ بحارةِ السِّرحانِ
104. إنّي رأيتُ و كم رأيتُ عجائباً
و رميتُ طرفي في رحى الإمعانِ
105. حتّى لقد دارتْ عليّ نوائباً
فعُجِنتُ تحتَ لسانها الطحّانِ
106. عجبَاً رأيتُ الأكرمينَ تراهَنوا
و تساجلوا شعراً بكلّ مكانِ
107. لا داعِ يا شعبَ القريض تهافُتاً
فأنا مليكُ الشعرِ دونَ رِهانِ
108. رصّعتُ شِعرَ الأقدَمين لآلئاً
من زُخْرُفي و تمائمي و جُماني
109. سبْعٌ على عشرٍ مَضَتْ و قضيتُها
و أنا أفيضُ الشعرَ كالفيَضانِ
110. السنّ مقياسٌ, و لكنْ ليسَ لي
و الحرفُ في متناولِ الغلمانِ
111. الحرفُ يعشقُني, يُبادلني الهوى
و عليهِ إنّي قد عقَدتُ قراني
112. قد قيلَ أنّ الشعرَ عذبٌ حُرُّهُ
هذا الذي ما كان في الحسبانِ
113. لوددْتُ تقليدَ الجدودِ الغابريـ
ـنَ العارفينَ بمهنَةِ الإتقانِ
114. لوددتُ إشهارَ الصقيلِ بوجهِ أرْ
بابِ الرصاصِ و فَيْلقِ الطيَرانِ
115. لوددْتُ طبْعاً عن فحولِ الشعرِ كالصْـ
صُعلوكِ والكِنْديّ والحَمَداني
116. درويشُ و السيّابُ و العقّادُ أهـ
ـلُ النّقدِ و التبيينِ و التِبيانِ
117. الشعرُ ويلي صيّروهُ بضاعةً
تُشرى تُباعُ بأبخسِ الاثمانِ
118. فردْدتُ أصلَ الشعرِ شدواً للورى
و أنا ربيعُ الشّدو و التحنانِ
119. فاقرأ قصيدَتَنا العفيفةَ أصلُها
"سالت دموعي و اقشعرّ جَناني"