أنا والقهوة ..
طالما نظرتُ للقهوة نظرتي إلى السمراء اللعوب ، والتي لا تستحمّ إلاّ نادرًا !
لا أدري ، منذ وعَيْتُ على أمّي تُحضّرها لأبي ولَها – عليهما رحمة الله تعالى - وأنا أكرهها ، فرائحتها تذكرني برائحة الميكانيكيّ الذي خرجَ لتوّه من تحتِ شاحنةٍ خَرَجَتْ قبلَ قليلٍ من مَنْجَمِ فَحْمٍ !
والسُّكّرُ الذي تطلبُه ليُحلّيَها ، أراهُ جُرعةً من نِفاقها ، تبدو بِهِ غيرَ ما هيَ عليهِ من مرارةٍ يَنقبِضُ صَدْرُ الفمِ منها !
وتضعُ على فمِها نَكهةً تلفِتُ الأنفَ إليها ! أمّا أنا ؛ فإنّي لا أراها إلا كأحْمرِ الشِّفاهِ فوقَ شفتي زِنجيّةٍ !
والفِنجانُ الأنيقُ الجميلُ الثمينُ الذي تُغري عشيقَها ليشتريَه لها ؛ هو ثوبُها المُستعارُ ، تَستر فيهِ اتّساخَها القديمَ الذي وَرِثتْهُ شجرةً عن شجرةٍ ، ويدًا عن يدٍ !
والسحابةُ الشفيفةُ ، التي تَتلوّى صاعدةً من الرَّكوةِ على النّارِ وهي فيها أشبهُ - في عيني - براقصةِ المعبدِ تتلوى بجسدِها كالشيطانِ ؛ فتُغري العُيون المتعلقة بها ، فينسَوْنَ العِبادة !
ثمّ هي – عِندي– كالوَسواسِ الخَنّاسِ ، تجمعُ عُشّاقَها المُخَدّرين بالكافيين الذي تنفثُه فيهم على جَلساتِ الشرّ والضَّررِ ، من غِيبةٍ ونميمةٍ وتَدخينِ النّارجيلةِ والسجائرِ، وكأنّهم في أوُكارِ المُحشِّشينَ الذين نسُوا الدّنيا والآخرة !
هذا رأيي في قهوتِكم – يا أيّها المُغرَمونَ بها – ألقى اللهُ في قلبي مَقتَها وقِلاها ، ولكنني أحِبُّكم أنتم ، وألتمسُ الأعذارَ لكمْ في حبِّها ، والارتماءِ في حُضنِها ؛ فإنها فتنة من فِتن العصر، عمّتْ فِتنتُها كلَّ قُطر، وأدعوكم وأدعو لكمْ أنْ تأتوا لها بِضَرّةٍ تستبدلونها بها ، وتُحْرقونَ قلبَها الأسودَ ، وأقترحُ عليكم ضَرّةً تكون معكم لا عليكمْ ، وترفـُلون معها في ثوبِ اللذةِ والعيشِ السعيدِ ، وإنّ اسمَها " الزنجبيلُ بالليمونِ "