كآبة..كآبة ...لاشيء هنا سوى الكآبة
انكسر القلم ..انكسرت أنا..جف شريان الكتابة.
حسناً أيها السيدات والسادة لِم يتعين علي سكب دواة أوجاعي على مدراجكم عند كل إرتعاشة قلم!!؟ومالذي يدفعني إلى تكرار الوقوف على حافة جرح جريح لأعاود غرس القلم في أعمق نقطة فيه، ثم أنتزعه وانتزع معه ماتبقى من الألم فأرشه على جفاف الورق الأبيض الواجم تحت يدي وجوم الموت في أعين من نحب!!.
ما عدت أرغب بالإذعان لهذا البوح الأرعن الذي أدمن اشعال الورق من تحت أصابعي ، لارغبة عندي بالبوح، فمالذي يدفعني إلى نبش سواكن الألم !! إن الأمر يشبه في وحشيته قتل فيل لاقتلاع عاجيه، بل هو أسوأ من ذلك وأكثر وحشية فالفيل حينها يقتل لمرة واحدة وتقتلع أنيابه العاجية لمرة واحدة فقط ،لكن بوحنا يقتل جرحنا في كل مرة ألف مرة ولا نظفر منه إلا بعزف جديد لنزف قديم.
إن أعظم ما في الألم أنه يكشف لك كم هي المسافة بعيدة بينك وبين الآخرين، أولئك الذين يظنون بأنهم يتألمون لألمك هم في الحقيقة لا يتألمون ألمك ، هم ربما يشعرون بما تشعر به ، ربما يستطيعون ان يرسموا تفاصيل ذلك الألم على وجوههم، و ربما أمكنهم أن يعزفوه بنقر أصابعهم على لوحة المفاتيح وقد يجيدون أيضاً أداء رقصة الوجع أحسن بكثير مما تفعل انت، لكنهم في الحقيقة لايعزفون إلا آلامهم الخاصة ولايرسمون إلاملامح تجاربهم الشخصية، ويبقى ألمك أنت هو ألمك وحدك ، نزف جرحك و صديده المتحجر في زاوية من القلب هنا ، المتفجر في زاوية من الذاكرة هناك، لكن معشر النساء أمام إغراء البوح لايلقين بالاً لتلك الخصوصية في الألم.
فيالبلاهة النساء حين يندفعن بالبوح ،, يندفعن به باقصى سرعة "غير ممكنة" وتبتعد معه مشاعرهن إلى أقصى من المالانهاية، ويتناسين بأن هذا الذي يسمى بوحاً سينصب تلك المشاعرالغضة خلف واجهات الترف الأدبي و أمام أعين المارة من الفضوليين أو الأدباء كسبايا عرايا في سوق للنخاسة ،، وكأننا مجبرات على التأكيد دائماً بأن هناك جرحاً ما في زاوية ما لم يمت بعد! وكأننا ما خلقنا إلا لنكون إما مرتهنات للصمت أو مستباحات للبوح .
أيها السيدات و السادة ..هاأنا أعلن لكم بأنه بالنسبة للألم ...لاشيء هناك، و بأن هذا اللاشيء هو من يكتبني الآن ويمحوني، وأعلن لكم بأن الليالي التي كانت تلفني قد غادرتني كلها واستحالت مجرد نقطة سوداء صماء بكماء تتكور بعناد في آخر السطر، بل وحتى جلدي أيضاً هو الآخر آخذ بالإنسلاخ عني يوما بعد يوم فلم الإصرار على سحلي فوق طرقات البوح السريع!!
أيها السيدات والسادة
زفرة وحيدة في صدري ونفثة حبر أخيرة في قلمي هي كل ماتبقى من هذا الجرح العجوز الذي أنهكه البوح ،فاقتلعوا ـ من فضلكم ـ فضولكم الأسود من على بوابته المتهالكة حتى أتمكن من تعليق لافتة
.
(( مغلق للصيانة والترميم))