حسرة البين



جُرِّعتُ حسرَتهُ بينٌ عليَّ قسـَا
و استَعْذَبتْ خلوَتي بوحًا بَدا تَعِسَا
أَغفو أُناجي أمانَ الرُّوحِ تائهةً
يا عروةً وَهَبتْ مِنْ نورِهـا قبسَا
طافت بِمُهجتِيَ الأكوانُ في نَغَمٍ
لَمَّـا شَرَعْتُ طوافًا قلبيَ ائتنسـَا
خلفَ المقامِ تشظَّتْ وجْنةٌ عَبرَتْ
تَعدو عليها جيادُ الدَّمعِ جيشَ أسىَ
أسرَعْتَ يا زمنًا سيرًا حثيثَ خُطىً
أَبطِئْ ودعْ نَظَري منْ غيرِ لوْ وعَسى
خُذني إلى وَهَجٍ لا الشَّمسُ تَطمِسُهُ
لا اللّيلُ يُغرِقُـهُ للشِّركِ قد طَمَسا
في قيـظِ مَتْلَهَـةٍ مـاءٌ بهِ بَـرَدٌ
في جَدبِ مُقفِرةٍ نَبتٌ و ما يَـبِسا
طُهرٌ أشعَّ سنـاهُ الأرضَ منْ أمَدٍ
ضوءٌ لكلِّ ظـلامٍ ثوبَـهُ فَكَسا
و لْتَنْسَنِـي بِرُبوعٍ: مُنْيَتِـي أبدًا
حتَّى النَّسيمُ بِهـا في فِطرةٍ غُمِسا
أيَّامُهـا دُرَرُ الدُّنـيا و غُرَّتُهـا
لَهفي على حِقَبٍ شيطـانُها يَئِسا
العدلُ قام بِهـا تَعلو مَحـامِدُهُ
و اللهُ ثبَّتَـهُ فالعـدلُ ما انتَكَسا
ربُّ العِبـادِ قَضى موتًا ضلالَتَهُمْ
دَحرًا جَهالتَهم في حـالكٍ غَبَسا
منْ رحمةٍ وَسِعَتْ أو زلَّـةٍ غُفِرتْ
و اختارَ أحْمدهُ أحيَا الذِّي دَرَسا
أَسْمَى الوَرى خُلُقًا, ليـنٌ و عطـفُ أبٍ
للهَدْيِ أرشدَهُمْ, توحيدَهم حَرَسا
لا اللاّتُ لا هبلٌ فالنَّفسَ أكرَمَهَا
والوَأْدَ حَرَّمَهُ و العِرضُ ما دَنِسـا
إنَّ الـرَّسولَ لَسيفٌ يُستضاءُ بهِ
كعبٌ و مَنطِقُهُ بالحـقِّ قدْ نَبَسا
أكرِمْ بِبُردتـهِ النَّجلاءِ في قِمَـمٍ
صَمصامُ مَفخـرةٍ رُمحٌ بهِ دَعَسا
هاجتْ لها لُغتـي أفرَدْتُ أشرِعَتي
كيفَ السَّبيلُ إلى تدوينِ ما هَجَسا
يا راسِمًا عبَثًا: أُكذوبـةً خَنَسَتْ
ويلٌ لِرسْمتِهِ في النّـارِ قدْ خَنَسا
في أمَّتـي لهبٌ يشتَـدُّ مُستعِرًا
والشِّعرُسيفُ لظىً ياشاعرًا حَمِسا
أجَّجْتُ قـافِيَتي لنْ تَستَكينَ و لنْ
تَرضَى السُّطورُ إذاحرفٌ بِها قَعَسا
أهفُـو لِطيبَتِنَا يا رَوضـةً مَلَكَتْ
مجـرًى بأبْهَرِنَا عشقٌ لهـا كُدِسا
ريحُ النَِّبـيِّ بِها عِتـقٌ لأفئـدة
شَرْحُ الصُّدورِفلنْ تَلقى الذِّي عَبَسا
رُؤيـاهُ زَلْزَلْتِ الأعمـاقَ مُثلِجةً
كلَّ الحَشى برَدًا نهرًا قَدِ انبَجَسـا
الغـارُ يستُـرُهُ و البدرُ شُـقَّ لهُ
جبريلُ يَحفظُهُ إنْ قـامَ أو جَلَسا
صَلُّو عليهِ فرَبُّ العـرشِ شَفَّعـهُ
و الحوضَ يورَدُهُ مَنْ نَهْجَـهُ أنَسا
النُّـور أدرَكَنِي و اللَّيلُ أفلَتَني
رُؤيايَ قدْوصَلَتْ في خَتْمِهَاالغَلَسا
بانَ الجلالُ و بانَتْ حِقْبَةٌ حُفِظَتْ
جُرِّعْتُ حسرَتَهُ بَيْنٌ عَلَـيَّ قَسا