صبيحةَ العيد ،، أَبْصَرَ المسجدُ الأقصى سِـرْبَ الحمام يتراقص فوقه ، فخاطبه قائلا :
غرِّدْ بعيدًا عن حِمى أسواري
واسْـتُـرْ سنا الأعياد عن أنظاري
وارقص على لحن السعادة ، إنه
لحنٌ يُعاند بَوْحُه أوتاري
هذا هديلُك يا حَمامُ أردتُه
دهرًا أنيسَ مدائني وقِفاري
ما كنتُ أَطرَبُ – إن طرِبْتُ – بغيره
كلا ، ولا تحلو بغيرك داري
كالعاشقيْن ، وربما منَحَتْهُما
كَفُّ الغرام محاسنَ الأستار
حتى مللتُ من الهديل ولحنِه
واستَهْجَنَتْهُ سريرتي وجهاري
وغدوتُ أنفِـرُ من ترانيم الهوى
بيني وبين ممالك الأطيار
¤ ¤ ¤
ما عاد لي في العيد أيَّةُ بَهْجة
وبغفلة اللاهين عن حرمي الذي
كان الملاذَ لصفوة الأبرار
كنا بصبح العيد نرقص ، والرضا
يلهو ، فيُطْرِبُ لهوُه زُوَّاري
والشهبُ تحلم أن تصير بمعطفي
دُرًّا يتيه على الدُّنا بجواري
إنشادُنا ؟ شَدْوُ البلابل مثلُه
ونشيدُنا ؟ فيضٌ من الأشعار
ما لاح في خد الزهور من الندى
غيضٌ لفيض سحابنا المِدْرار
لا فرْحَ يعلو فوق فرحة قِبلتي
بالراكعين بساحة الأنوار
يسمو إلينا في تَطَلُّعِه السَّنا
إن جاء يطلب جَذْوَةً من نار
كي يستردَّ بفرْحنا بعضَ الذي
نُهديه نحن بشارةً بنهار
¤ ¤ ¤
في كل عيد أستفيق لألتقي
وأعانقَ الأحباب ، ألثُمَ خدَّهم
شوقًا لروض أحبتي المِعطار
أدنو إلى أفيائهم ، فيردُّني
نحو العلا ذو مشعلٍ نوَّار
في قلبه كان الغرام – ولم يزل -
يهفو كغضبة ناشط الإعصار
إن لاح في عينيَّ همٌّ لم يبِت
بين الخطوب كجابنٍ خَوَّار
يرضى لهمِّي أن يزيد ، ويحتسي
كأسَ المذلة والخنا والعار
¤ ¤ ¤
آسى عليَّ وقد فقدتُ كرامتي
من كل صَوْبٍ قد أتَوْا ، فكأنهم
سِرْبُ الثِّعال الماكر الغدَّار
أنا لا ألوم سيوفهم ، لكنني
أُلقي الملامَ لفارسٍ مِغْوار
جَلْدٍ على الأعداء في سُوح الوغى
يبغي الكرامة كالهِزَبْرِ الضاري
لا يهتني بالعيش إن نَطَقَتْ " بِوا
أوَّاهُ مُعتصِماهُ " ذاتُ سِوار
فيهُبُّ مذعورًا لتكسِرَ كفُّه
غِمْدَ الحُسام المارق البتَّار
ويصوغَ للإسلام بسمة مُنْتَـشٍ
بالنصر بعد مَذَلَّةٍ وصَغار
¤ ¤ ¤
هذا هو العيد الذي غَنَّتْ له
هذا هو العيد الذي أبغيه ، لا
دعوى الهوى في مُنتدى الأعذار
هذا سنا الأعياد ، أقْبَلُه ، ولا
يقوى بغير ضيائه إبحاري
هذا نشيد العيد ، يُطربني ، ولا
يرضى بغير نشيده قيثاري
غَرِّدْ كما تهوى دُهورًا ، لن ترى
فَرْحي سوى إن حُرِّرَتْ أسواري