خَيرٌ وأبقى


بِذِكْرِكِ يِسْمُو الْقَصِيدُ وَيَرْقَى
فَأَحْسَبُ أنّ فُؤَادِي سَيُرْقَى
وَلَكِنَّنِي فِي ضَيَاعٍ أَرَاهُ
يُحَاصِرُهُ الْحُزْنُ غَرْبًا وَشَرْقَا
غَرِيقٌ بِبَحْرٍ مِنْ الْحُزْنِ قَلْبِي
وَكُلُّ الْمَشَاعِرِ فِي الدَّمْعِ غَرْقَى
فَبُعْدُكِ -يَا أُمُّ- نَارٌ تَلَظَّتْ
وَفِيهَا أُقَاسِي الْعَذَابَ وَأَشْقَى
فَقَدْ رُحْتِ يَا أُمُّ، وَالرُّوحُ فِيكِ
فَمَزَّقَنِي الْمَوْتُ حِسًّا وَعِرْقَا
هُوَ الْمَوْتُ أَلْجَمَ مِنِّي حُرُوفِي
فَشَلَّ لِسَانًا وَأَخْرَسَ نُطْقَا
وَأَوْقَدَ شَوْقِي إِلَيْكِ لَهِيبًا
يَدُقُّ ضُلُوعِي وَعُمْرِيَ دَقَّا
فَقَدْ كُنْتِ نِعْمَةَ رِبِّي وَرِزْقِي
وَأْنْعِمْ بِمِثْلِكِ -يَا أُمُّ- رِزْقَا
تُصَاحِبُنِي الذِّكْرَيَاتُ إِلَيْكِ
فَتُحْدِثُ فِي جَبَلِ الصَّبْرِ فَلْقَا
فَتَهْمِي عُيُونِي لِآهَاتِ قَلْبِي
وَتَرْشُقُ خَدَّيَّ بِالدَّمْعِ رَشْقَا
فَأُدْرِكُ أَنَّكِ -يَا أُمُّ- سِرٌّ
عَنْ الْحَلِّ عَزَّ حَنَانًا وَشَقّـا
تَنَعَّمْتُ فِي ظِلِّهِ خَيْرَ عُمْرِي
فَغَذّى فُؤَادِيَ دَفْقًا فَدَفْقَا
تَبِيتِينَ -إِذْمَا مَرِضْتُ- جِوَارِي
وَيَخْفِقُ قَلْبُكِ فِي الصَّدْرِ خَفْقَا
تُدَارِينَ دَمْعًا تَرَقْرَقَ عَفْوًا
فَيَفْضَحُ قَلْبًا بِحُبِّكِ رَقَّـا
وَحِينَ تُقَاسِينَ بَعْضَ ابْتَلائِكِ
تُخْفِينَ عَنِّي حَنَانًا وَرِفْقَا
وَتَبْكِينَ وَحْدَكِ خَوْفَ بُكَائِي
وُعُرْوَةُ صَبْرِكِ بِاللهِ وُثْقَى
وَلَوْ تَسْتَطِيعِينَ كَتْمَ مَمَاتِكِ
عَنِّي لأَخْفَيْتِهِ حِينَ حَقَّـا
وَكَمْ كُنْتِ دَوْمًا تَبِرِّينَ قَلْبِي
فَهَلْ يَتَأَتّى لَهُ أَنْ يَعُقَّا؟
لَقَدْ كُنْتِ أَقْرَبَ نَاسِي إِليَّ
وَأَوَّلَ مَنْ لِهَوَايَ اسْتَحَقَّا
لَقَدْ كُنْتِ أمَّ الْجَمِيعِ، سَحَابُكِ
يَحْمِلُ بِالْحُبِّ لِلْكُلِّ وَدْقَا
تَبَشِّينَ لِلضَّيْفِ رَغْمَ جِرَاحِكِ
وَالْجُودُ مِنْ فَضْلِ كَفِّكِ يُسْقَى
وَبَسْمَةُ ثَغْرِكِ تَحْمِلُ بَعْضَ
نَقَائِكِ وَالصَّدْرُ -يَا أُمُّ- أَنْقَى
حَنَانٌ يَرُدُّ الْحَزِينَ سَعِيدًا
وَعَطْفٌ يُحِيلُ الْمُقَيَّدَ طَلْقَا
لَقَدْ كُنْتِ أَرْوَعَ مَنْ قَدْ رَأَيْتُ
تَسَامَيْتِ -يَا أُمُّ- خَلْقًا وَخُلْقَا
تبَزّينَ بِالْحَمْدِ كُلَّ مُصَابٍ
وَإِنْ آلَمَ النَّفْسَ وَخْزًا وَرَشْقَا
وَعِنْدَ اشْتِدَادِ الْبَلاءِ تَشُدِّينَ
صَبْرَكِ وَالْقَلْبُ أَرْضَى وَأَتْقَى
تَبُثِّينَ فِيَّ يَقِينًا بِرَبِّي
فَيَعْبِقُ فِي النَّفْسِ كَالْمِسْكِ عَبْقَا
أَنَا الآنَ -يَا أُمُّ- أَكْتُبُ حُبِّي
وَشَوْقِي عَلَى صَفَحَاتِيَ مُلْقَى
يَشُقُّ عَلَيَّ بَقَائِي وَحِيدًا
وَقَدْ كَانَ حُبُّكِ مَهْدًا وَأُفْقَا
لَيَالِي الْفِرَاقِ وَأَيَّامُهُ قَدْ
تَسَاوَتْ بِعَيْنَيَّ سُودًا وَبُلْقَا
ترَاكِ ارْتَضَيْتِ ابْتَعَادَكِ عَنّي
وَبُعْدُكِ غَوَّرَ فِي الْقَلْبِ شَقَّا
ترَاكِ اسْتَرَحْتِ مِنْ الْمُضْنِيَاتِ
وَنِلْتِ بِصَبْرِكِ مِنْهُنَّ عِتْقَا
كَأَنَّكِ نَادَيْتِنِي الآنَ هَمْسَاً
بِأَنَّ جِوَارَ الْمُهَيْمِنِ أَرْقَى
صَدَقْتِ؛ فَرَبُّكِ أَهْلُ التُّقَاةِ
بِكُلِّ تَقِيٍّ سَيَبْقَى الأَحَقَّا
لَكِ الشِّعْرُ بَحْرًا مِنْ الشَّوْقِ يُهْدِي
لِغَوَّاصِهِ الدُّرَّ لَوْ زَادَ عُمْقَا
لَكِِ الدَّعَوَاتُ تَرومُ السَّمَاءَ
وَتَفْتَحُ بِالصَّدْقِِ وَالْحُبِّ طُرْقَا
لَكِ النَّبْضُ وَالْحِسُّ وَالْعُمْرُ بِرّاً
لَكِ الشَّوْقُ مَا عَاشَتْ الرُّوحُ صِدْقَا
لَكِ الْحُبُّ نَهْرًا بِقَلْبِي وَلَكِنَّ
مَا عِنْدَ رَبِّكِ خَيْرٌ وَأَبْقَى