يومياتُ رجُلٍ من عامَّةِ الشعْب
عبد اللطيف السباعي
هواجسُ العيْشِ في عيْنيْهِ أنْواءُ
وفوقَ كاهِلِهِ مِنْهُنَّ أعْباءُ
لمْ تُمْسِكِ القلَمَ الوَرْدِيَّ أنْمُلُهُ
فالكافُ تجْهَلُهُ والتاءُ والباءُ
حياتُهُ قِصَّةٌ في البَدْءِ قدْ رُوِيَتْ
لها على جُدُرِ الأيَّامِ أصْداءُ
فُصُولُها بعْضُ أحْداثٍ مُكَرَّرَةٍ
كَأنَّ إخْفاءَها في الأصْلِ إبْداءُ
بالهَمِّ يَفتَتِحُ الأسبوعَ.. تَشْغَلُهُ
في أوَّلِ الأمْرِ أشْياءٌ وأشياءُ
في الحَيِّ سُوقٌ ضُحى الإثْنَيْنِ مَوْعِدُهُ
فلْيُوفِ.. إنَّ مَناطَ الوَعْدِ إيفاءُ
في طَبْعِهِ نهَمٌ للطَّيِّباتِ ولوْ
شَطَّتْ وفي بيْتِهِ زَوْجٌ وأبْناءُ
وذلِكَ المَقْطَفُ البالي يَحِنُّ إذا
ناداهُ في السوقِ كُرَّاثٌ وقِثَّاءُ
يَغْفُو فلا يَفْتَحُ الجَفْنيْنِ في غَدِهِ
حتى يُطِلَّ بِدَعْواهُ الثلاثاءُ
اليوْمَ يُقْبِلُ رَبُّ البيتِ مُتَّئِدًا
تَدُكُّ في خَطْوِهِ السَّرَّاءَ ضَرَّاءُ
في ثَغْرِهِ ضَحْكَةٌ صَفْراءُ فاتِرَةٌ
في عَيْنِهِ نَظْرَةٌ حَمْراءُ هَوْجاءُ
بيْنَ المُقيمِ وأرْبابِ البيوتِ قِلًى
كأنَّهُمْ مِنْهُ أعْداءٌ ألِدَّاءُ
اِدْفَعْ لهُ أجْرَةَ السُّكْنى على عجَلٍ
فليسَ يَنْفَعُ عِنْدَ الدَّفْعِ إبْطاءُ
والأرْبعاءُ تَقُضُّ الظَّهْرَ وَطْأتُهُ
وإنَّ خَطْوَتَهُ فيهِ لَكَأْداءُ
لِلْكَهْرباءِ فواتيرٌ مُؤَجَّلَةٌ
في كلِّ فاتورَةٍ للغَمِّ إمضاءُ
كمْ مرَّةً قُطِعَ التَّيَّارُ فانْطبَقَتْ
على المكانِ لَيالٍ مِنْهُ دَهْماءُ
وليسَ تُجْدي الشموعُ الدامعاتُ إذا
ألَمَّ بالليْلِ مِنْ إظْلامِهِ داءُ
يأتي الخميسُ.. وفي أجْواءِ ليْلَتِهِ
تسْتنْجِدُ الروحُ مِمَّا مِنْهُ تسْتاءُ
في خُلْوةِ البيْتِ تسْقِي القلْبَ شَهدَ رضًا
حسْناءُ واسِعةُ العيْنيْنِ غَيْداءُ
هناكَ يَطْفو على سَطْحِ الأنا أمَلٌ
تخْضَرُّ منْهُ حقولٌ ثَمَّ جَدْباءُ
في روْضةِ الجُمْعةِ المِعْطاءِ مِيضَأةٌ
غَنَّاءُ تسْمو بتقْوى القلْبِ فيْحاءُ
فلْتطْهُرِ النفْسُ فيها منْ تعَلُّقِها
بِحبْلِ دنْيًا لها بالنفسِ إغْواءُ
ولْتنْتفِعْ بصلاةٍ أوْ بِأدْعِيَةٍ
لرَبِّها طاعةٌ فيها وإرْضاءُ
بها تُحَطَّمُ أغلالٌ مُكَبِّلَةٌ
لها وتُجْبَرُ أضْرارٌ وأخْطاءُ
زيارةُ الأهْلِ يومَ السبْتِ مَنْقَبَةٌ
بها يُقَيَّضُ لِلْمَعْروفِ إسْداءُ
اِمْلأْ جُيُوبَكَ بالحَلْوى وإنْ ثَقُلَتْ
بذاكَ يَفْرَحُ أوْلادٌ أعِزَّاءُ
وزُرْ أباكَ وزُرْ أُمًّا لكَ امْتلأتْ
بحُبِّ أبْنائِها منها السُّوَيْداءُ
وزُرْ أخاكَ وصِلْ ما شِئْتَ منْ رَحِمٍ
قدْ قُطِّعَتْ في التنائي مِنْهُ أشْلاءُ
ويَبْزُغُ الأحدُ التالي ولا أحَدٌ
في الحيِّ يَظْهَرُ.. هلْ في الحيِّ أحْياءُ؟
الكلُّ في عُطْلةٍ يسْلو الهمومَ بها
فَتسْتكينُ بهِ رُوحٌ وَأعْضاءُ
كدأبِ صاحِبِنا لمَّا تَدِبُّ بهِ
إلى المدى خُطْوَةٌ في البعْدِ عَشْواءُ
تراهُ في رحْلةٍ حَرَّى إلى جَبَلٍ
أوْ شاطئٍ فيهِ يلْهُو الرمْلُ والماءُ
وليسَ يَصْدُرُ في الترْحالِ عنْ ترَفٍ
ففوقَ جِسْرِ الضنى المِسْكينُ مَشَّاءُ
لكِنَّ ضائقَةَ الأيَّامِ قاصِمَةٌ
إنْ لمْ يكنْ عنْ أساها مِنْهُ إغْضاءُ

مراكش- المغرب
فبراير 2016