هذا النص ردّ على اهداء الصديقة الرائعة : براءة الجودي تلقّيت هديّتك بقبول حسن،و غبطة خشيتُ على نفسي من نفسي أن تحسدني عليها،فوجدتني أقول:أمهليني نبضة و نبضتين فقد حال بيني و بين عاقلتي غشاء الدهشة، دعيني أتجاوز تخوم الشتات،ألملم ذاكرتي المبعثرة من صفعات الخيبات، ماذا أقول و ماذا أكتب؟
تخونني الكلمات..
فيا لغةً الدرّ في جوفها كامن أعيريني بعضا من لازوردك و مرجانك أصنع منهما قلادة أعلّقها على صدر غَاليتي، هَاتي من يمّك المسجور لؤلؤة أو اثنتين،و انْ أجزلت العطاءَ فهاتي كثيرًا من لآلئك أنثرها بَيْن يديها ..
يا لغةً كنتِ تأتينني طوعًا ،ما لي أراكِ اليوم تُسرفين في العناد، و توغلين في الاختباء خلف أجمة الصمت؟
لست أعاتبكَ، و لا تثريب عليك؛ فالذي في القلب أكبر مِنْ أنْ تصفه حروف و تنصفه أبجديّة.
فيا أخيّتي اعذري صوت قلب يصارع بحّة لغتي،واسمعي همس الروح فلهمسها صدى أقوى من جلجلة الكلام أحيانا.
أخيتي تنجذب الأرواح إلى أرواح أخرى دون لأي منها و دون سعي،إذ لا تخضع لقانون المسافة و لا مدار الزمن.صحيح أنه بيننا حدود و جبال،هضاب و تلال، لكن الروح تحلق مع النسيم، تجوب الفضاء و تجول هنا و هناك،لا أصفاد تقيدها و لا تحتاج تأشيرة للعبور،عرفتك في واحة الخير، قرأت ما جادت به أناملك من حروف أفقية نثرية متناسقة الخطى، و أخرى ترتقي سلّم الأوزان بثبات، وجدتني أنجذب إليك، خاطبتِ قلبي،ولجتِ روحي بطيبة قلبك و رحابة صدرك و نقاء سريرتك،بلا صلف و لا غرور،
لا عجب هنا و لست أبالغ. أو ليس ما يكتمه القلب يكشفه اللسان،و ما توارى بين طيّات النفس تفضحه الكلمات ؟
إنّ الحرف رسول صاحبه، كاشف سريرته،و هذا الذي ألفيته فيكِ، و رب الكعبة شهيد على قولي.
ماذا أهديك ؟ بل أي هدية تليق بك؟ لستُ أجيد الشّعر؛فنظم القوافي يرهقني ان لم يكن على السليقة، لا أجيد إلا النثر ،أمهّد أديم الورق بياسمين قلبي و أسرج من وهج روحي قناديل دربي ،ليت لي بكف الفرح لأمسح عن ناصيتك سديم الحزن،ليتني لعينيك حارسا من دمعة تراودهما أو نسمة تحلّق بالقرب منهما،وددت لو بامكاني أن أمنع عنك صروف الدهر لو شدّت راحلتها نحو مدنك.و أن أقايض السعادة بفرحي، فأبتاعها لأجلك،لكن ليس لي إلا لغة هي دثاري و إزاري،فانوسي و قمقم الأمل لقلبي،
هذه حروفي قدّت من مهجتي أهديكي إيّاها،رجائي صلة بلا انقطاع و محبة نقية، فلا تغيبي قليلا أو كثيرا، و اعذريني ان يومًا شغلتني نوائب الحياة،فقصّرت في السؤال عنك،فلست أنساك أبدًا من دعائي.قريبةٌ أنتِ من القلب و زدت قربًا،رعاك الله أينما كنتِ،و جمعني بك يومَ الميعاد في جنة الخلدِ،يومَ تُبلى السرائر و تفر الوجوه من لهيب سقر،كلّ رجائي أن يجعلنا الله من السبعة الذين يظلهم في ظلّه . |