الْمَجْهُولَةْ

مَنْ أَنْتِ ؟ دُونَ جَوَابِهَا تَتَأمَّلُ
وَكَأَنَّ دَهْشَةَ عَيْنِهَا مَنْ تَسْأَلُ
مَنْ أَنْتِ ؟ كَالْوَرَقِ النَّدِيِّ تَلُفُّهَا
شَفَةً بِمَاءِ وُرُودِهَا تَتَهَدَّلُ
مَنْ أَنْتِ ؟ لاَ تَتَأَوَّهِي قُولِي أَنَا
رُدِّي فَصَرْخَةُ مُهْجَتِي تَتَأَوَّلُ
مَنْ أَنْتِ ؟ لَمْ أَسْمَعْ كَلاماً إِنَّمَا
غَنَّى عَلَى غُصْنِ الشِّفَاهِ البُلْبُلُ
أَنَا نَكْهَةُ الْأَرْوَاحِ فِي ثَغْرِ الأُلَى
وَالآنَ يَمْضُغُ وَجْبَتِي الْمُسْتَقْبَلُ
أَنَا ثَوْرَةُ النِّسْرِيِنِ طَيَّ خَمِيِلَةٍ
وَالطِّيِنُ فَوْقَيَ بِالأَرِيِجِ مُكَلَّلُ
أَنَا حَالَةُ الآهَاتِ فِي قَلْبِ الدُّنَى
وَغَداً سَيَنْبِضُ آهِيَ الْمُتَحَوِّلُ
أَنَا دَمْعَةٌ تَشْتَدُّ جَوْفَ مَنَازِلٍ
وَكَأَنَّ عَيْنِيَ لِلْمُعَذَّبِ مَنْزِلُ
وَأَنَا الدَّوَاءُ لِمَنْ يُرِيِدُ سَلاَمَةً
تَشْفِيِهِ حَتَّى لَوْ أَتَاهُ الْمَقْتَلُ
أَجْرِي وَتَجْرِي فِي عُرُوقِي عِبْرَةٌ
وَدَمِي يُسَابِقُ نَزْفَهُ الْمُتَمَهِّلُ
أَنَا فِي الْحَنَايَا تَسْتَرِيِحُ قَوَافِلِي
وَمَعَ انْطِلَاقِي فَالْغَنَائِمَ أَحْمِلُ
وَأَمُرُّ قَفْزَ غَزَالَةٍ فِي رِحْلَتِي
وَبِغَابَتِي يَسْتَوْطِنُ الْمُسْتَرْسِلُ
وَأَنَا الصَّدِيِقَةُ وَالْحَبِيِبَةُ بَلْ أَنَا
طِفْلٌ رَضِيعٌ يَحْتَوِيِنِي الْفَطْحَلُ
وَأَنَا الَّتِي بِالْغَيْبِ تَفْصِلُ رُوحَهَا
حَتَّى يَغِيِبُ بِجِسْمِهَا الْمُسْتَأْصَلُ
بِالأَصْغَرَيْنِ حَصَافَتِي وَصَحِيِفَتِي
وَكَبِيِرَتِي بِمَشَاعِرٍ تَسْتَكْمِلُ
لاَ شَيْءَ يَكْفِي كَيْ أُعَبِّرَ عَنْ مَدَى
شَوْقِ الَّذِي عِنْدَ التَّلاَقِي يَرْحَلُ
أَنَا كَالْبُحُورِ إِذَا أَرَدْتِ غَزَارَتِي
وَأَنَا السَّمَاءُ إِذَا اعْتَلانِي الْمُذْهِلُ
أَنَا لِلْخَيَالِ مَجَرَّةٌ بَرَّاقَةٌ
لَكِنَّ نَجْمِيَ بِالْوَرَى يَتَخَيَّلُ
سِرُّ الْحَيَارَى فِي خَزَائِنِ غَيْمَتِي
لَكِنَّ غَيْثِيَ بِالْكُنُوزِ مُسَرْبَلُ
كَمْ بِدْعَةٍ لِيَ فِي الْوَرَى مَخْفِيَّةٍ
أَبْهَى وَيَمْحَقُ بَدْرَهَا الْمُسْتَفْحِلُ
لَا رُكْنَ لِي إِلاَّ وَفِيِهِ حِكَايَةٌ
رَغْمَ الْمَسَافَاتِ الَّتِي تَتَشَكَّلُ
أَنَا مَصْنَعُ اللَّوْحَاتِ لِلْحِسِّ الَّذِي
يصْفُو بِأَلْوَانِ الْفُنُونِ فَيَعْمَلُ
سِحْرٌ مِنَ الْمَاضِي أُزَيِّنُ حَاضِرَاً
لَا زَالَ يَلْبَسُ طَوْقَهُ الْمُتَطَفِّلُ
أَنَا مَنْهَلُ التَّارِيِخِ دُونَ مَسَافَةٍ
وَمَسَافَةُ التَّارِيخِ بَعْدِيَ تَنْهَلُ
أَنَا حُولَةُ الدَّهْرِ الْعَجِيِبِ بِنَغْمَتِي
وَالْكُلُّ حَوْلِيَ صَامِتٌ يَتَأَمَّلُ
لَوْ تَنْظُرُ الأَيَّامُ دَوْلَةَ عَالَمِي
لَتَوَقَّفَتْ حَتَّى يَدُورُ الْمُعْضِلُ
فَرَشَاقَتِي يَخْتَالُ فِيِهَا فَارِسٌ
وَفِرَاسَتِي عَرَبِيَّةٌ تَتَجَوَّلُ
فَأَنَا الْقَصِيِدَةُ جَاوِبِي مَنْ أَنْتِ يَا
لِيُخَلِّدَ اسْمَكِ عابِرٌ مُسْتَعْجِلُ


غيداء الأيوبي