ثورة الشك

مَالِي أرَىَ الصَّمتَ يتلُو آيَةَ الغسَقِ
وَالخَوفَ يَنشُرُهُ المَجهُولُ فِي الأفُقِ
واليَأسَ يَبنِي عَلَى أنقَاضِنَا مُدُناً
بالظَّنِّ وَالوَهمِ وَالإحبَاطِ وَالحَنَقِ
وَالشمسَ تَندُبُ مَوتَاهَا وَتَلفِظُهُمْ
فِي حَضرَةِ المَوتِ تَنعِي حُمرَةَ الشفَقِ
حَتَّىَ إذا مَا دَعَىَ دَاعِي الدُّجَىَ هَرَعَتْ
تَغتَالُ أحلاَمَنَا بالسُّهدِ وَالأَرَقِ
نَنُوحُ فِي سَاحَةٍ ثكلَىَ عَلَىَ وَطَنٍ
تَروِيهِ نَزوَةُ حَرفٍ شِبهِ مُحتَرِقِ
بَاعُوكَ يَا وَطَنِيْ نثْراً وَقَافِيَةً
فَكَيفَ يُزهِرُ حَرفٌ بِالغُثَاءِ سُقِيْ
لَمَّا خَرَجنَا وَفِي الأَرجَاءِ ثورَتُنَا
تُزجِي السَّحَابَ إلَىَ السَّاحَاتِ بالغَدَقِ
تَفجَّرَتْ مِنْ مَسَام اللَّيل وانجَرَفَتْ
إلَىَ الأَزِقَّةِ وَالسَّاحَاتِ وَالطُّرُقِ
ثرْنَا عَلَىَ الأمسِ إذْ بالأَمس يَتبَعُنَا
باسْمِ الدَّنَانِيرِ بِاسمِ اللَّحمِ وَالمَرَقِ
جَاءَتْ عَمَائِمُ مَوتَانَا تُرَاودُنَا
عَنْ الحَيَاةِ بإيعَازٍ مِنَ القَلَقِ
وَاستَنفَرُوا سُنَّةَ الإقصَاءِ وَاتخَذُوا
مِنَّا مَطَايَا وَقَادُونَا إِلَىَ السَّبَقِ
قصُّوا عَلينَا أسَاطِيرًا مُشتَّتَةً
عَنِ الأَمَانِ عَنِ الإيمَانِ وَالأَلَقِ
لَكِنَّهُ عَالَمٌ لَيسَتْ تَهِيمُ بِهِ
إلاَّ مُخُيِّلَةُ الحَمقَىَ أو السَّرَقِ
مَنْ كَانَ بالأَمْسِ يَقتَاتُ الدِّمَاءَ غَدَىَ
فِيْنَا إِمَاماً وَبَيْنَ الصَّالِحِينَ نَقِيْ
أعْطَوْهُ صَكاً بِهِ الغُفرَانُ وَاتَّبَعُوا
فَتْوَىَ عَجُوزٍ يُدَاوِيْ العَجزَ بالشَّبَقِ
ذَرُّوا الرَّمَادَ عَلَىَ جُثمَان أمْنِيَةٍ
غَنَّىَ لَهَا الجُوعُ فِيْ الأَجفَانِ وَالحَدَقِ
وَاستَمسَكُوا بِعُرَىَ الكُرْسِيِّ فهْوَ لَهُمْ
طَوقُ النَّجَاةِ مِنَ الظلمَاءِ فِي النَّفَقِ
لَمَّا دَعَاهُمْ إلَىَ الدُّنيَا وَقالَ لَهُمْ
إنِّيْ قَرَيبٌ فَلَبَّوْا ظَالِماً وَشَقِيْ
حَجُّوا إلَىَ قِبلَةِ الشيطَانِ وَاجتَنَبُوا
رَمْيَ الجِمَارِ وَسَدُّوا الخَرْقَ بِالْخِرَقِ
وَقَاسَمُوا هُبَلَ المَنبُوذ جِيفَتَهُ
وَنَادَمُوهُ كُؤوسَ الدَّمعِ وَالعَرَقِ
مَدُّوا إلَىَ الشعبِ مَا أبقَتْ مَخَالِبَهُمْ
فَلَمْ يَسُدُّوا بِهِ شَيئاً مِنَ الرَّمَقِ
بَنَاتُ آوَىَ تَخَلَّتْ عَنْ فَريسَتِهَا
جِلدًا وعَظْماً فَمَنْ مِنْ حِقدِهِنَّ يَقِيْ
يَا مَنْ مَخَرَتْ عُبَابَ الوَهْمِ مُحْتَفِلاً
فِي مَركَبِ الجَهلِ أبْشِرْ أنْتَ بالغَرَقِ
فاللهُ ليسَ لهُ ديْنٌ تًسَيِّرِهُ
كَمَا تَشَاءُ لِتُخفِيْ حِقدَكَ الطَّبَقِيْ
لَكِنَّمَا دِينهُ الإسلامُ وهْوَ لَنَا
دِينُ المَحَبَّةِ وَالإحْسَانِ وَالخُلُقِ
يَكفِيكَ مَا اقتَرَفَتْ كَفاكَ فِي وَطَنِي
باسْمِ الذِيْ خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقِ
أقبَلتَ تَنسُجُ مِنْ أشلائِنَا حُجُباً
لِلغَيبِ تُخفِيْ بهَا سَيلاً مِنَ الْحُمُقِ
لَمْ يُعطِكَ اللهُ يَا هَذَا وَكَالَتُهُ
وَمَا أقَامَكَ سَيَّافاً عَلَىَ عُنُقِيْ
فلَنْ تُنَجِّيْكَ فتوَىَ مِنْ مَظَالِمِنَا
وَلَنْ تُزَكِّيكَ فِينَا طاهرا وتقي
لَمْ يُولَدِ الدِّيْنُ فِيْ حِزبٍ لِيُرضِعَهُ
شَيْخٌ وَتَفطِمَهُ دَعوَىَ لِمُخْتَلِقِ
وَمَا تَرَبَّىَ عَلَىَ أنفَاسِ طَائِفَةٍ
حُبْلَىَ بِحَيْرَتِهَا فِيْ الشَّكلِ وَالنَّسَقِ
يَا تَاجِرَ الدِّين بِعْ عَمداً كَرَامَتَنَا
وَاجعَلْ مَصَائِرَنَا فِيْ كَفِّ مُرْتَزَقِ
وَاقبَلْ بمَا قَسَمَ الفجَّارُ فِي صَلَفٍ
فَذَاكَ دَأبُكَ مُذْ آمَنْتَ بالغَسَقِ
لاَ لَستَ سَيِّدَنَا بَلْ أنتَ سَيئُنَا
بَلْ أنْتَ أسوَأنَا فِي الخَلْقِ وَالْخُلُقِ
إنِّيْ تَعَوَّذتُ فِي سَاحَاتِنَا سَلَفاً
مِنْكُمْ جَمِيعاً برَبِّ النَّاسِ وَالفَلَقِ
يَا ثورَةَ الشكِ أينَ العهدُ هَلْ نَكَثتْ
بِهِ دُمُوعُكِ بَينَ الجَهْلِ والنَّزَقِ
أمْ مَزَّقتْهُ خَفَافِيشُ الظلاَمِ سُدىً
بَينَ الطوَائِفِ وَالأَحزَابِ وَالفِرَقِ
أخْفَىَ رَمَادُكِ خَوفاً مِنْ مَوَاقِدِهِ
سِرَّ الأسَاوِرِ وَالأثوَابِ وَالحَلَقِ
لَمَّا قَضَتْ سَوءَةُ الأشبَاحِ حَاجَتَهَا
سِرًّا وَجَهراً عَلَىَ دَرْبِي وَمُفتَرَقِيْ
وَاستَمطَرَتْ لَعَنَاتٍ مِنْ سَحَابَتِهَا
عَلَىَ عُهُودِيْ وَمِيثَاقِيْ وَمُنطَلَقِيْ
يَا ثَورَةً أطفَأَ الأصنَامُ جَذوَتَهَا
حَتَّىَ طَغَىَ نَتَنُ المَوْتَىَ عَلَىَ العَبَقِ
عَلَيكِ رَحمَةُ رَبِّيْ وَالعَزَاءُ لَنَا
يَا ثَورَةً أصْبَحَتْ حِبْراً عَلَىَ وَرَقِ


شعر الأستاذ/ نجيب الموادم
14 – 7 - 2012