رقَّ الفؤادُ لما أحلَّ بسيدي منْ حرقةٍ وتوجّعٍ وتسهّدِ
في عينهٍ ماضٍ وفي فمهِ صدىً يهذي بصوتٍ خافتٍ مترددِ
صوتٌ يجيشُ الهمُّ في نبراتهِ يحكي تعرِّي العمرِ عنْ ذكرِ الغدِ
في كفّهِ قفرٌ تصدّعَ صخرُهُ سبحانَ مبدي العمرَ في قبضِ اليدِ
صبغتْ ذوائبَهُ بناتُ الدهرِ منْ رمْدٍ وجمرُ القلبِ غيرُ مرمِّدِ
هنَّ اللواتي ما عشقنَ دُجى اللِحى حسُنَ المشيبُ لهنَّ دونَ الموعدِ
هنَّ اللواتي قدْ وُجِدنَ لنشئهِ يلحظنَهُ بالطرفِ منذُ المولدِ
يخفينَ أوجههنَّ ستراً بالذي يكسو عيونَ الهائمِ المتبلّدِ
يخطونَ فوقَ الجفنِ دبّةَ نملةٍ في خضمِ وبلٍ سحَّ فوقَ الجلمدِ
فإذا تمادى الجهدُ أضجعَ ظهرَهُ ولهنَّ ذا وقتٌ لوقتِِ الموردِ
لا يرتوينَ ولا يردنَ لغايةٍ غيرَ الحديثِ المؤنسِ المتمرِّدِ
قدْ يرتوينَ إذا أتاهُ خلسةً نومُ الصريعِ الهائمِ المستنجدِ
فإذا صحا كنَّ السهارى حولهُ يرقبنَهُ بخطى الحريصِ المرصدِ
يتبعنهُ أينَ اغتدى فكأنّهُ جذعٌ وهنَّ بروقُ غيثٍ مرعدِ
يا سيّدي كمِ فتنةٍ حَصُنَ الورى منّها وكم قبضٍ يجيءُ بلا يدِ
إنْ أمسكتكَ منيّةٌ هيهاتَ أنْ تنجو بروحكَ فاستعدْ وتشهَّدِ
فتنُ الحياةِ كثيرةٌ شخَصَتْ لها مقلُ المريدِ ومنْ تليهِ الحُسَّدِ
يلهو بها منْ جُنِّنَتْ في عينهِ ويَشِينُ مرآها بعينِ السُهَّدِ
ويرومُ منْ رَغِبَ الفلاحَ لغايةٍ يسعى بها للمستقرِّ الأبعدِ
هذيْ الحياةُ وكيفَ طالَ مُرِيدُها تُقضَى وكلُّ الخلقِ غيرُ مخلَّدِ
تُقضى ليومٍ لا مَرَدَّ لأمرهِ يومِ الحسابِ على مقامٍ مُعْدَدِ
يَقضِي بهِ الرَّحمنُ ما بين الورى سبحانَ ربي منْ عظيمٍ أوحدِ