بَينَ يَدَيْ باب اليمن
بِالبَابِ يا بَابُ غُصنٌ بِالدَّمِ امتَلأَ
رَبيعُهُ قِيلَ ولَّى , و هوَ ما بَدَأَ
بالبَابِ يا بابُ قَحْطٌ فاغِرٌ فَمَهُ
نَحوَ السَّماءِ , و ها قَد أَمطَرَت ظَمَأَ
بالبَابِ يا بَابُ طِفلٌ نَبضُهُ نَغَمٌ
لكنَّهُ شَابَ بالأَعتابِ و اْنكَفَأَ
*****
يا بابُ خَلفَكَ لِيْ حُلْمٌ خُلِقتُ لَهُ
و لي أمامَكَ حُزنٌ جَلَّ مَن بَرَأَ
سُبحانَ مَن أَلهَمَ الأحزانَ فاتَّخَذَت
ما بَينَ جَنْبَيَّ سِكِّيناً و مُتَّكَأَ
و شَكَّلَتنِي أَباريقَاً و أخْيِلَةً
تَحْسُو الفَرَاغَ , فَتَندَى أَحْرُفاً و رُؤى
قالت و قَد أَجلَسَتني .. و هيَ واقِفَةٌ
: هذا الذي شَقَّ صَدري خِلْسَةً و رأى
هذا الذي ابْيَضَّ قَلبي مِن تَنَهُّدِهِ
و كُلَّما قُلتُ داوَى جُرحَهُ .. نَكَأَ
هذا الذي .. ثُمَّ تَدنُو و هيَ تُطعِمُني
في حُجْرَةِ الغَيبِ ( مَوفُوراً ) و ( مُجتَزَأَ )
هذي قَوافِيكَ .. فاستَعذِب مَرارَتَها
و عَانِقِ الحُزنَ و اطْرَأْ كُلَّمَا طَرَأَ
هذي قَوافِيكَ فَاقرَأ مَا تَيَسَّرَ يا
مَن يَشْرَقُ الدَّمعُ في عَينَيَّ إنْ قَرَأَ
*****
و رُحتُ أتلُو كِتاباً فُصِّلَت بِدَمِي
أَبياتُهُ , و القَوافِي تَنثَنِي هُزُؤا
مِن زَفرَةِ الرَّملِ , مِن حُزنِ الرَّمادِ , و مِن
خَفْقِ الأَخادِيدِ رُوحِي تُخرِجُ الخَبَأَ
لا هُدهُدٌ زارَني يَوماً , و لا كَشَفَت
عَن ساقِها مَن أشاعَت في دَمِي سَبَأَ
وَحدي تَشَكَّلتُ مِن ماءِ الحُرُوفِ , و في
رَحْمِ التَّناهِيدِ حُزنِي خَطَّنِي نَبَأَ
لَمْ أنتَحِب قَطُّ إلاَّ لِلخِيامِ و قَد
ألقَت بِحُلمٍ لِشَوقٍ لم يكُنْ كُفُؤا
و لا تَلَفّتُّ إلاَّ طالِباً وَجَعَاً
أو باحِثاً عَن كَفِيفٍ جُرْحَهُ وَطَأَ
*****
يا بَابُ يا بَابُ هذا الطِّفلُ يُشبِهُني
قالت عَجُوزٌ , و راحَت تُشْهِدُ المَلأَ
و أَقسَمَتْ .. ثُمَّ لَمَّا شاهَدَت وَجَعِي
يَسِيلُ مِن كُلِّ حَرفٍ .. أوْمَأَتْ خَطَأَ
و جَاءَ شَيخٌ بِعُكَّازَينِ .. يَسأَلُ عَن
طِفلٍ بِعَينَيهِ شَعبٌ حُزنُهُ اهتَرَأَ
و مَدَّ يُمْناهُ نَحوي كَي يُصافِحَني
و حِينَ أيقَظتُ قَلبي للسَّلامِ .. نَأَى
ما كُلُّ مَن رَاوَدَ الأحزانَ مُرتَضِعاً
مِن نُونِها , كالذي بالحُزنِ قَد نَشَأَ
عِندي مِن الحُزنِ ما لَو أُفرِغَت بِفَمِي
كُلُّ البِحارِ , و كُلُّ السُّحْبِ ما انطَفَأَ
*****
يا نافِخَ النَّايِ في صَدري على عَجَلٍ
هَلاَّ تَمَثَّلتَ رِيحاً تَنفُخُ الحَمَأَ
هَلاَّ تَقَاطَرتَ في رُوحي ملائِكَةً
تَجتاحُني , فتُذِيبُ الرَّانَ و الصَّدَأَ
هَلاَّ تَوقَّفتَ عَن طَرْقِي بأُحْجِيَةٍ
لا بانَ لي وَجهُهَا النَّائي , و لا اختَبَأَ
مَرَّت على البابِ أَجيالٌ و أزمِنَةٌ
و لـَـم أَزَل لا أرَى إلاَّهُ مُلتَجَأَ
و حدي على البابِ و الشَّكوى تُلَقِّنُني :
يَستَفحِلُ الجُرْمُ إنْ لم يَنطِقِ البُرآ
الغُربَةُ الآنَ أُمِّيْ , و الضَّياعُ أَبي
و الحُزنُ يا بابُ مَن رَبَّى و مَن كَلأَ