تشيخ النصوص ....
وتفقد أوراق الأشجار بريقها الأليف، فتصير إلى جفاف بانتظار لحظة السقوط على بساطٍ خيوطه رجع الوجع ....
والتعب يئن كلما عصفت به صيحات الرياح، تصحو وتغفو عليه عذابات المسكونين بالهم اليومي ...
فتختلط الألوان على شرفات صفحات خاوية من قيم الإنسانية.

أمام عطاء الدم ... تصغر إطارات ومعاني وألق الصور ويبقى الحدث الصاعق مصنعاً للأجيال، ليجسّد المعنى الأسمى للقيمة من تلاحم الأجساد ونزف الذات، وفراغ التسرّب والانصهار في نسيج واحد لا ينفصل عن اﻠ "كل" ولا يفنى.

حكاية ليست جديدة !!!
ولكنها تتجدد مع تاريخ المدن الغارقة في فم أفعى تتلوى على شاطئ مصبوغ بالدماء، وأمواج تلفظ النفايات.
خرائط مرسومة لا تعرف حدوداًً للقدرة على تحمّل ألم الحصار والجوع، خطت ملامحها على ضفائر حرائر ثائرات عصيّات على موت، تمزق أستار الليل الحالك بفجر الله أكبر !.

أوراقنا جافّة ...
وأقلامنا قاصرة عن وصف شموخهن أمام دفق الدم وتقرّح الجروح !!
فالآلام لا ترسم بالمداد ... والقلوب لا تنبض إلا لصفاء الأحبة الصامدين هناك ... تُشمَّر في موسم الحصاد عن زند العمل، بشرى تزفّها على بقايا أجساد توشّحت بسواد الحداد مع دفقة النداء الأخير.

خيالات أرواح مسكونة بالإباء والكبرياء تنشر عطرها في فضاء معفّر برائحة الموت، وتسطّر ملحمة معجونة بالدم واللحم في عصر فقد أبجدية العقل وحق الإنسان.

غصّة في الحلق تجترّ الذهول أمام عظمة نفوس ترى النور والأنام نيام ...
جميلة تقود ثورة تتصدى بشفيف الروح لهمجية وحوش، فتحولهم إلى فئران يرتعدون خوفاً من مشروع شهيدات باقيات بيننا أحياء، يعلمن نساء الأرض الحفر في صخر المستحيل، ليتفجر ينبوع الإيثار، وتنبت من قلب الحصى براعم يشتد عودها على إيقاع هتاف العائدين من غبار الرحيل.
وبتول تأبى الحياة بين الحفر، تطوف باحثة عن رحم يلثم أطهر الجباه المكللة بغار النصر.

تسقط دمعة مقهورة فتنقلب إلى صرخة حقد يستعر في الضلوع .. لتحيا كعنقاء تزلزل الأرض تحت أقدام الغافلين، وتهزّ ريشات النخوة الصماء، علها تجد ثغرة تقلب الظلمة نوراً، وحلم طال انتظاره ينبعث من نبض العروق.

باسمكِ هتفت بعد أن صار الوطن قصيدة مذبوحة من الوريد إلى الوريد ... وبضفائركِ الملثمة، أقول ليتني امرأة لا تعترف بالقيود والحدود ... ولا تذرف الدمع، ولا تهرع من زاوية إلى زاوية تسترق السمع، تلاحق أنفاس الأخبار من وراء حجاب.
عجبتُ من حال ينسل العدم إلى أرواح يعشش فيها متاع السقم، وأنتن تقدمن مواسم الريحان إلى مروج اليباس، ولا من صدى لنداء يشق صمت القبور.

صرخة "وامعتصماه" انطلقت ألف مرة من حناجر حرائر أنهكهن تعب الصمود والقهر والجوع ... حتى عاف الصبر حدود السكون , فعدت إلى "الخنساء" ألتمس من ريحها بعضاً من جذورنا، فوجدتها بينكن تهدهد دموع الثكالى، وتمسح من صدور الأمهات شوك الصبّار كي تزهر ورود الخريف!.

الكلمات قاصرة، والأوراق غارقة في ربكة الوجع، ولا أجد غير أبيات للشاعر خير الدين الزركلي ألجأ إليها، وأرددها بلا ملل، قد تعيد إلى الغرباء خفقة حنين..

العين بعد فراقها الوطنا لا ساكناً ألفت ولا سكنا
ليت الذين أحبهم علموا وهم هنالك ما لقيتُ هنا