كَمْ يَتْبعُ الغيمُ أجْفَانِي ويَرْتَقِبُ
حَتَّى مَتَى مِنْ دُمُوعي تَسْتَقِي السُّحُبُ؟!
يردّدُ الليلُ آهاتي وتُعْجِبُهُ
فَمِنْ تَأوِّهِ قلبي كانتِ الشُّهُبُ
هذا الّذي يَغْتَلِي في الصَّدْرِ مِنْ حُرقٍ
إليهِ كُلُّ لهيبٍ بَاتَ يَنْتَسِبُ
أثقلتُ بالوجدِ نَخْلاً كلَّ كاهلُهُ
فما تَسَاقَطَ إلا الدَّمعُ والرُّطَبُ
وأيقظتني تَبَاريحي التي غبرتْ
هذي جِراحِي بِكُلِّ النَّزْفِ تَنْسَرِبُ
حملتُ صَخْرَةَ آلامي ومَا اضْطَرَبَتْ
َكفِّي ولا كَتِفِي فاسْتَعْجَبَ الْعَجَبُ
هذا أنا أُكرمُ الآلامَ ، مُتْرَفَةٌ
عندي، وأُطْعِمُهَا لَحْمِي كما يَجِبُ
وربما تَشْتَكِي جُرْحِي وَقَسْوَتَهُ
كالنارِ تَزْعُمُ أنَّ الظالمَ الْحَطَبُ
خططتُ بالرُّمحِ فوقَ الرَّمْلِ أُغْنِيَتِي
فبدّدتها رياحٌ زَادُها الْغَضَبُ
وحينَ أنشدتُ هذي الريحَ قَافِيَتِي
وَجَدتُها في صَدَى الآفاقِ تُكْتَتَبُ
تركتُ حرفيَ حدَّ الشمسِ فارتحلتْ
إليه أرواحُ مَنْ في ضوئها انْسَكَبُوا
ومَنْ إذا فاحَ طيبٌ قيلَ قد عَبَرُوا
ومَنْ إذا ضاءَ حرفٌ قِيلَ قَدْ كَتَبُوا
ومَنْ إذا سَاغَ مَاءٌ كانَ مُمْتَنَعًا
عَنِ الشَّرَابِ عَلِمْنَا أنَّهُمْ شَرِبُوا
هُمْ علّمُوا الْحُبَّ كيفَ الْحُبُّ لا سَهَرٌ
يُفْضِي إليهِ ولا بَوحٌ ولا كُتُبُ
تَخْضَرُّ تحت خُطَاهُ الأرضُ يُمْسَحُ عنْ
هذي الجباهِ التي قد مَسّها التَّعَبُ
لولاه ما جَاوزَ الإنسانُ طِينَتَهُ
ولا تَسَامَى على الدُّنيا وما تَهبُ
هُمْ أَينْ هُمْ قِيلَ قد مَرُّوا على شَفَةٍ
ظَمْآنةٍ فارْتَوَتْ مِنْ رِيِّها القِرَبُ
كانُوا هُنَا كلُّ هذا البحرِ بعضُهُمُ
وكلُّ هذا الثرى ، والأفقُ والشُّهُبُ
كانوا هنا خَفْقُ هذا البرقٍِ خطوهُمُ
يُضيءُ تَأْبِينَهُمْ في الأُفُقِ إذْ ذَهَبُوا
تَبْكِي على نَفْسِها الأيامُ إذْ فَقَدتْ
بفقدِهِمْ ما بِهِ تَسْمُو وتُنْتَخَبُ
ورُبّ يومٍ بوزنِ الدَّهْرِ خلّدَهُ
مَعْنَاهُ وانْتَبَذَتْ مَنْسِّيةً حِقَب ُ
أَصَابعُ الّليلِ قد ألقتْ أَظَافِرَهَا
في كُلِّ كَرْمٍ فَجَفَّ التينُ والْعِنَبُ
والنَّاسُ والأرضُ مُصفرّانِ مِنْ وَجَعٍ
فَمَا تَعانقَ إلا الْمِلْحُ والرُّكَبُ
والسَّائرونَ على آهاتنا هَتَفُوا
بِسْمِ الجراحِ وهُمْ والْمِدْيَةُ السَّبَبُ
يُؤازِرُونَ بأَقْصَى الأرضِ عاثرةً
والعاثرونَ هُنَا في الصَمْتِ قد نُكِبُوا
ويَحْلِفُونَ بِوَجْهِ الأرضِ مَا قَصَدُوا
إلا الذي من ضُروعِ الأرضِ قد حَلَبُوا
شتّانَ بين الأُلَى مَاتُوا وَمَا أَكَلُوا
وبينَ مَنْ أَكَلُوا بالذُّلِ أو شَرِبُوا
يا أيُّها الوطنُ الْمَنْفِيُّ ما نَضَبَتْ
منكَ الْعُروقُ وأنت الزيتُ والَّلهَبُ
مازلتَ ملءَ حَنَايَا الرُّوحِ شَاهِقَةً
مِنَ الأَمَانِيِّ تَنْأَى حينَ تَقْتَرِبُ
إنْ كانَ باسْمِكَ هذا اللَّّيلُ تَصْلُبُنَا
أَلْوَاحُهُ فَلْيَكُنْ ولْيَسْلَمِ الخََشَبُ
بعضُ الجراحِ شَهيدٌ صَادِقٌ دَمُهُ
وبعضُها يَسْتَحِي مِنْ زَيْفِهِ الْكَذِبُ
هذي العيونُ التي خَانَتْكَ نَظْرَتُهَا
يوماً ستحفرُ بَحْراً وَهْيَ تَنْتَحِبُ