كُفِّيْ عَنِ التَّرْحالِ يا عُصْفُورَةَ الشَّجَنِ
وتَفَيَّئِيْ في مُقْلَتِيْ مِنْ قَسْوَةِ الزَّمَنِ
وَتَسَرْبَلِيْ بقَصيدَتي وتَوَشَّحي ألَقَاً
وتَقَافَزي في أضْلُعي واشْدِي على فَنَني
و اخْضَلِّ يا عُصْفُورَتي في غَيْثِ أغْنِيَتِي
سِراً فَكَمْ فُضِحَ الهوى في مُقْلَةِ العَلَنِ
وتَضَمَّخي بالياسَمِيْنِ نقاوَةً وشَذىً
واتْلِيْ تَمائِمَ سِحْرَكِ المَسْكُونِ في بَدَنِي
كَمْ تَرْحَلِينَ وكُلَّما طارَ الجَنَاحُ بِكِ
رَفَّتْ ضُلُوْعي في المَدى وهَوَيْتُ في وَهَني
لا تَعْبَئِيْ بالعُرْيِ مِنْ عَهْدٍ مَضَى فَلَقَدْ
لَعِبَتْ مَناشِيْرُ الحَياةِ بأصْلِهِ العَفِنِ
كَمْ تِيْنَةٍ جَحَدَتْ ظِلالَ غُصُونِها فَهَوَتْ
أحطابَ مَوْقَدَةٍ بلا قَدْرٍ ولا ثَمَنِ
والحَوْرُ في عَلْيائِهِ ثَمَراتُهُ عَجَبٌ
مأوى البَعُوضِ وللبَعُوضِ مَواطِنُ الأسَنِ
لو أثْقَلَتْهُ ثِمارُهُ لَدَنا بها ولَمَا
بَلَغَ السِّمَاكَ تَطاوُلاً و شَواهِقَ العَنَنِ
يَمْضيْ مَخَافَةَ جَنْيِهِ في الجَوِّ مُرْتَفِعاً
حتّى إذا جازَ السَّماءَ إلى الغُيُوْمِ جُنِيْ
ولَكَمْ أظَلَّ بِفَيْئِهِ الزَّيْتُونُ واحْتَرَقَتْ
مِنْهُ الدُّموعُ لكي تُضيءَ ظُلامَةَ الدُجُنِ
مُتَرَبِّعٌ فَوقَ الجُذُوْرِ كَأَنَّهُ مَلِكٌ
في مُلْكِهِ وجُذُورُهُ في غابِرِ الزَّمَنِ
عَبَثَ الزَّمانُ بجَوْفِهِ لكِنَّهُ خَضِلٌ
تَحْكِيْ الجُّذُوْعُ لِقائِلِيْهِ نَوائِبَ الإحَنِ
هو هكذا نَبْضُ الحياةِ ثِمارُ وارِفَةٍ
أو لا فِظِلُّ غُصُوْنِها فَيْءٌ بِلا مِنَنِ
حُطِّيْ هنا في القَلْبِ لا تَخْشَيْ عَواذِلَهُ
رَكِبُوا مَسَالِكَ عُمْيِهِمْ في مَرْكَبِ الظَّنَنِ
واحْكِيْ عَنِ الأحْزانِ في عَيْنَيْكِ ما فَعَلَتْ
عَنْ صَوْتِكِ المُتَهَدِّجِ المَخْفُورِ بالشَّجَنِ
عَنْ رَعْشَتَيْ جِنْحَيْكِ كَمْ تَبْدِيْنَ خائِفَةً
وَعَنِ السُّهادِ بِمُقْلَتَيْكِ وَمَسْحَةِ الحَزَنِ
عَمَّا وَرَاءَ التَّلِّ مِمَّا غابَ عن بَصَريْ
و بِجانِحَيْكِ بَلَغْتِهِ وَسَبَقْتِ بي فِطَنِي
وأتَيْتِ تَسْتَبِقِيْنَ نُوْرَ الشَّمْسِ ضاحِكَةً
ضَحِكَتْ مَبَاهِجُ مُهْجَتِيْ لِحَدِيْثِكِ الشَّدِنِ
ماذا وراءَ التَّلِّ هل مِنْ قِصَّةٍ عَجَبٍ؟!
فَرَمَيْتِ باكِرَةً رِداءَ الحَزْنِ والوَسَنِ
أَمْ هل به نَجَمَ الرَّبيعُ فَجِئْتِ حامِلَةً
بُشْراهُ في إشْراقَةٍ وأَداءِ مُؤْتَمَنِ
أَمْ هل كَلَلْتِ مِنَ المدى فَوَقَفْتِ مًجْهَدَةً
وَعَبَثْتِ ما عَبَثَ المدى غَضَناً على غَضَنِي
أَوَ ما سَئِمْتِ العَيْشَ يا أُغْرُوْدَتيْ سَفَراً
يَمْضِيْ بلا شَطٍ يَتُوْهُ بِغَيْرِ ما وَطَنِ
حُطِّيْ هُنا لا تَأْبَهِيْ لِدُخانِ يابِسَةٍ
لولا نَقِيْعُ يَبابِها لَمْ تَحْظَ بالدَّخَنِ
في فِيْفِيَ المُمْتَدِّ واحاتُ الهوى ظُلَلٌ
فاغْزِيْ مَلاعِبَ صَبْوَتِيْ واسْتَوْطِنِيْ مُدُنِيْ
و بِهِ الخُيُولُ الجامِحاتُ صَهِيْلُها نَزَقٌ
جَلّتْ سَنابِكَها الخُطُوْبُ و وَطْأَةُ المِحَنِ
و به الرَّبيعُ قِداحُهُ مِنْ كُلِّ مُبْهِجَةٍ
فَأَراكِ تَنْتَقِلَيْنَ مِنْ فَنَنٍ إلى فَنَنِ
و به حَدِيْثُ الرُّوْحِ نَبْضُ قَصِيْدَةٍ رَعَشَتْ
كَحَدِيْثِكِ السِّحْرِيِّ في أَسْمَاعِ مُفْتَتِنِ
و به الغُيُوْثُ سِقاؤُها بِجِنانِهِ غَدَقٌ
فإذا ثَوَيْتِ بِجَنَّتِيْ فاسْتَمْطِرِيْ مُزُنِيْ
و به الغِوَىْ ... ما بالُ صَوْتِكِ غابَ عن أُذُنِيْ
أَمْ قَدْ غَفَوْتِ قَرِيْرَةً وأَنِسْتِ في وُكَنِيْ
فَهَمَسْتُ ... يا عُصْفُوْرَتِيْ لُغَةُ الشَّجَاْ عِبَرٌ
تُوْحِيْنَهَا فَأُضِيْفُهَا شَجَناً إلى شَجَنِيْ
أَبْحَرْتُ في عَيْنَيْكِ وَحْدِيْ طَوْعَ باصِرَتِيْ
وَغَداً بِبَحْرِهِما سَتَخْتَرِقُ المَدَىْ سُفُنِيْ
طالَ الحَدِيْثُ ... ومِلْءُ إيْحاءاتِهِ قِصَصٌ
لُغَةٌ سَمَتْ عَنْ عُمْيِنا وَسَمَتْ عَنِ الرَّطَنِ !