مِحْرَابُ الحُب
شعر/ عيسى جرابا

كلما وقفتُ بين يَدَي محمد صلى الله عليه وسلم مادحاً
شعرتُ برهبةِ وهيبةِ الموقف… رائيةٌ خجولةٌ لعلها ترقى
إلى مقامِهِ عليه الصلاة والسلام.

القَلْبُ فِي مِحْرَابِ حُبِّكَ… كَبَّرَا
وَعَلَى عُبَابِ الشَّوْقِ نَحْوَكَ أَبْحَرَا

وَالشِّعْرُ رَفْرَفَ فِي مَدَاكَ… فَلَمْ يُطِقْ
بَوْحاً… فَأَطْرَقَ خَاشِعاً مُتَحَيِّرَا

تَاللهِ لَمْ يَحْتَرْ أَمَامَكَ عَاجِزاً
لَكِنْ تَخَوَّفَ أَنْ تَرَاهُ مُقَصِّرَا

يَا مَنْ بِمَوْلِدِهِ الـمُبَارَكِ أَشْرَقَتْ
شَمْسٌ… عَلَى لَيْلِ الضَّلالِ فَنَوَّرَا

أَقْبَلْتَ وَالأَرْوَاحُ ظَمْأَى… فَارْتَوَتْ
وَالكَوْنُ مُصْفَرٌّ… فَأَصْبَحَ أَخْضَرَا

لَمْ يَبْقَ مِنْ صَنَمٍ بِمَكَّةَ حِيْنَمَا
سَرَتِ البَشَائِرُ… لَمْ يُكَبَّ مُعَفَّرَا

وَارْتَاعَ كِسْرَى… إِذْ رَأَى إِيْوَانَهُ
مِنْ حَوْلِهِ مُتَصَدِّعاً… مُتَكَسِّرَا

وَلِفَارِسٍ نَارٌ مُؤَجَّجَةٌ… خَبَتْ
كَانَتْ إِلَهاً… فَانْطَفَا وَتَبَخَّرَا

بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ… جِئْتَ مَوَاسِماً
لِلخَيْرِ… تَفْتَحُ بَابَهَا لِـمَنِ اشْتَرَى

وَجْهٌ كَبَدْرِ التَّمِّ… فَرَّتْ مِنْ تَأَلُّـ
ـقِهِ الدَّيَاجِي… حِيْـنَ لاحَ وَأَسْفَرَا

تَمْشِي فَمَا صَافَحْتَهُ بِخُطَاكَ مِنْ
هَذَا الثَّرَى… وَرَدَ الخُلُوْدَ وَأَصْدَرَا

وَشَذَاكَ يَعْبَقُ بِالنُّبُوَّةِ… لَمْ يَطُفْ
شَيْءٌ بِهِ… إِلا زَكَا وَتَعَطَّرَا

حَتَّى اسْتَوَيْتَ… فَكُنْتَ وَالدُّنْيَا عَلَى
وَعْدٍ… فَجَاءَكَ ضَاحِكاً مُسْتَبْشِرَا

جِبْرِيْلُ وَافَى… فَوْقَ أَجْنِحَةِ اليَقِيْـ
ـنِ… يَلُمُّ بِالدِّيْنِ الحَنِيْفِ مُبَعْثَرَا

دَوَّى بِهَا اقْرَأْ… عَلَى سَمْعِ الـمَدَى
الغَارُ رَدَّدَ… وَالـمَدَائِنُ وَالقُرَى

اقْرَأْ… حُرُوْفٌ تَحْمِلُ الأَمَلَ الَّذِي
يَحْدُو نُهَىً… مِنْ قَبْلُ مَا كَانَتْ تَرَى

اقْرَأْ… سَحَائِبُ رَحْمَةٍ لَـمَّا تَزَلْ
تَهْمِي… تُفَجِّرُ كُلَّ صَلْدٍ أَنْهُرَا

اقْرَأْ… رَبِيْعٌ أَزْهَرَتْ أَغْصَانُهُ
فَغَدَا لِتَسْبِيْحِ البَلابِلِ… مِنْبَرَا

يَا مَنْ تَدَثَّرَ خَائِفاً… تَاللهِ مَا
أَبْقَيْتَ بَيْـنَ العَالَـمِيْـنَ… مُدَثَّرَا

فِي قِصَّةِ الإِسْرَاءِ وَالـمِعْرَاجِ… أَلْـ
ـفُ حِكَايَةٍ… كُنْتَ العَظِيْمَ الأَجْدَرَا

صَلَّيْتَ فِي الأَقْصَى… وَطِرْتَ بِلا جَنَا
حٍ… فَالْتَقَيْتَ مَنِ اصْطَفَاكَ وَقَدَّرَا

نِلْتَ الَّذِي مَا نَالَهُ أَحَدٌ… سِوَا
كَ… وَعُدْتَ قَلْباً وَاثِقاً مُتَصَبِّرَا

هِيَ رِحْلَةٌ كَوْنِيَّةٌ… فِي لَيْلَةٍ
غَمَرَتْ بِأَنْوَارِ الهِدَايَةِ أَعْصُرَا

يَا مَنْ إِلَيْهِ الجِذْعُ حَنَّ… حَنِيْنُنَا
لَكَ فِي الجَوَانِحِ لَمْ يَزَلْ مُتَجَذِّرَا

هَا نَحْنُ نَقْبِسُ مِنْ ضِيَائِكِ… كُلَّمَا
لَيْلٌ تَرَامَى… ظُلْمَةً وَتَحَيُّرَا

نَشْتَاقُ مِنْ يَدِكَ الشَّرِيْفَةِ شَرْبَةً
تَنْهَلُّ رِيًّا… مَا أَلَذَّ وَأَطْهَرَا!

نَرْجُو شَفَاعَتَكَ الَّتِي مَنْ حَازَهَا
فَكَأَنَّمَا حَازَ الوُجُوْدَ… وَأَكْثَرَا

ذِكْرَاكَ… أَجْمَلُ مَا يَلُوْحُ لِخَاطِرٍ
وَنَدَاكَ لِلظَّامِي… تَسَاقَى كَوْثَرَا

بَلَّغْتَ لِلنَّاسِ الرِّسَالَةَ… نَاصِحاً
وَمُعَلِّماً… مَا ضَلَّ خَلْفَكَ مَنْ سَرَى!

فَتَرَكْتَنَا بَعْدَ الضَّلالِ… عَلَى الـمَحَـ
ـجَّةِ… لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا مُسْتَبْصِرَا

بِأَبِي وَأُمِّي… مَا أَتَيْتُكَ مَادِحاً
إِلا لأَغْسِلَ أَحْرُفِي مِمَّا اعْتَرَى

عَلِّي أُوَشَّحُ… بُرْدَةً نَبَوِيَّةً
أَحْيَا بِهَا مُتَفَاخِراً مُتَبَخْتِرَا

فَلَكَمْ مَدَحْتُ مِنَ الوَرَى… فَأَرَاقَنِي
مَدْحِي… وَلَمْ أَقْبِضْ عَلَيْهِ سِوَى ثَرَى!

لَكِنْ صَعَدْتُ هُنَاكَ حَيْثُ الطُّهْرُ حِيْـ
ـنَ وَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ… يَا خَيْرَ الوَرَى

فَعَلَيْكَ مِنْ رَبِّي صَلاةٌ… مَا دَعَا
دَاعٍ… وَمَا وَقَفَ الإِمَامُ وَكَبَّرَا